لــــــغـــــــة الــــــضـــــا د

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
لــــــغـــــــة الــــــضـــــا د

منتدى الغة العربيه


    موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 09/01/2010

    موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين - صفحة 2 Empty رد: موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين

    مُساهمة  Admin الثلاثاء يناير 12, 2010 11:04 am

    الشاعر مازن دويكات


    نبذة

    شاعر وكاتب , مواليد عام 1954م في نابلس – فلسطين.

    ـ دبلوم مساحة وحساب كميات. ـ عضو مؤسس في ملتقى بلاطة الثقافي في نابلس.

    ـ عضو هيئة إدارية في اتحاد الكتاب الفلسطينيين.

    ـ عضو هيئة إدارية في مركز اغاريت للثقافة والنشر.

    ـ عمل سكرتير تحرير لمجلة نوافذ الصادرة عن دار الفاروق للثقافة والنشر في نابلس.
    ـ عمل مشرفاً على مجلة الملتقى الأدبية التي تصدر عن ملتقى بلاطة الثقافي في نابلس.
    من أعماله:-
    1- أناشيد الشاطر حسن، قصائد للأطفال، جمعية الأطفال العرب ـ حيفا 1994.
    2- المسرات ـ قصائد ـ ملتقى بلاطة الثقافي ـ نابلس 1996.
    3- مائة أغنية حب ـ قصائد ـ دار الفاروق ـ نابلس 1997.
    4- والحكي للجميع ـ مسلسل إذاعي أذاعته إذاعة فلسطين 1997.
    5- الثيران الثلاثة ـ قصة شعرية للأطفال ـ دار الفاروق ـ نابلس 1998.
    6- صابر الجرزيمي ـ نصوص ساخرة ـ اتحاد الكتاب الفلسطينيين ـ القدس، ودار الفاروق ـ نابلس 1998.
    7- قراءات في جدارية محمود درويش ـ مع آخرين ـ ملتقى بلاطة الثقافي ـ نابلس 2002.
    8- مرايا البعد الثالث ـ نصوص ـ ملتقى بلاطة الثقافي ـ نابلس 2001.
    9- حارس الغابة ـ قصة شعرية للأطفال ـ منشورات مركز أوغاريت للنشر والترجمة 2001.
    10- وسائد حجرية, قصائد ـ منشورات مركز أوغاريت للنشر والترجمة 2003
    11- حرائق البلبل على عتبات الوردة، عمل مشترك مع عفاف خلف ـ منشورات مركز أوغاريت للنشر والترجمة 2004
    12- احتفال في مقهى الخيبة, مجموعة قصصية مشتركة

    *******************************



    المجنون

    وميضٌ يغسلُ الشرفات

    فليهبط غبار مدينة الموتى على الأسوار

    أنت من التراب فعدْ إليه

    وخذْ وصيتك الأخيرة

    من صهيل الغيم في البستان

    من بوح الحمامة فوق سطح الدار

    كيف تكونني وأكونها الأزهار

    من ملأ الإناء بدمعه

    هذي الغمامة أم أنا!

    فكأنني ملئ الحديقة في اشتعالات الخريف

    وكأنها في خامتي الأولى العجينة والخميرة

    والأرض سلتنا الصغيرة

    كم نسينا على طرف الرصيفْ

    أمضي وأحمل تبغ يومي والرغيفْ

    قفْ يا غريب الدار، حدقْ

    زهرتي محنية فوق الأصيصْ

    وتشمني بتويجها العالي

    تقدم أيها الموت الرخيصْ

    وانشرْ على الأحواض أجنحة الرحيلْ

    والآن دعني لحظة

    فوق السياج شذاً أسيلْ

    الأفق مباحٌ

    والأرض مباحه

    والمجنون كهيئة طيرٍ

    مدّ جناحه

    أين يطيرُ وأين يسيرْ

    والفسحة غير متاحهْ

    معصوب الروح أتى

    وافترش الساحة

    في المخلاة رغيفان وتفاحةْ

    وقصيدة شعر

    تنـزف في الليل جراحه

    ارتوت الصحراء فشب على عجلٍ

    قصبُ الواحةْ

    أأنا بوح الناي

    أم حنجرة المجنون الصدّاحة((

    فكأن لي في الأرض متسعٌ

    أعينني كي أقوم إذن وأدفن بذرتي

    رعدٌ يحكُ رحيقها

    تفاحة المجنون ضاحكة

    لقد جُنت شوارعنا

    ومن حملهم على هذا الدمار

    ومن يرمم ما تبقى، زهرة الحمقى

    بكامل طيشها وبهائها

    مطرٌ تدافع في عراء الروح

    قلتُ إذن توقف أيها المجنون، ليس لدي متسع

    أحاول أن أرمم جرة الفخّار

    بئري بعد أن وصلوا تسمم ماؤها

    سرقوا من القطرات زمزمها الجليل

    لا ماء من شهوات " دفنا" سوف ينبجسُ

    إلا بقية دمعة ضنت بها دهراً

    لتذرفها على الشهداء في العرس الأخير

    والنارُ فاتحة على القتلى

    وخاتمه بلا شفتين تتلى

    كلما اشتعلتْ بحقل الثلج سنبلة الشعير

    )أحبكُ " دفنّا "

    و "دفنا " الغزالةُ والناي

    " دفنا " تحددُ لي ما أرى

    فرأيتُ الذي لا يراه سواي

    رأيتُ سيولاً

    من الصور النازفة

    في جداول رعشتها

    ومرايا صباي

    رأيت دمىً خائفة

    أن تعود لخاماتها الأولية

    في نهوند القرنفل والناي

    " دفنا " قفي وانظري

    من وميض دمي

    من خرير الشذى في فمي

    لن ترين سواك

    ولن تلمحي سواي(

    لا عشب في الواد المقدس

    لا أرى إلا الحصى في الضفة الأخرى

    ومن بلع الخرافة ثم صدّقها

    وأين النهر إن وجد الخريرْ

    هذي الخطى للذئب أعرفها

    وأعرف أين ولّى

    من عواء الجرحِ في برية الجسدِ النحيلْ

    ماذا سيسقط من علٍ

    إني أرى الأشياء واقفة

    على قدمين من ورقٍ مجعدْ

    والخريفُ مضى على عجلٍ

    ليرجعَ عن تداعيها المجددْ

    والشتاء آتى على خبلٍ

    ستغسل منْ وهذا البيت أسودْ

    منْ سوف يسقطُ، منْ

    إن الطغاة فقطْ

    أحلى وأجمل من سقطْ

    بدل القذائف فوق غابات النخيلْ

    )أرى ما أشاء لمن ذهبوا

    ومن جلسوا

    في ممر الصنوبر تحت الترابْ

    أرانا على أهبة العيش عشقاً

    ونصعدُ من حجرٍ في السفوحْ

    نعدُّ خيول المدينة قبل الذهاب

    وبعد الإيابْ

    وماذا تبقّى من الروح

    ماذا تبقّى

    رؤوس تدلتْ عن السرجْ

    والعمرُ زهرةُ ثلجْ

    بحقل جروحْ

    سترجع كل الجيادْ

    إلى مستقر الصهيلْ

    ورف الحمامْ

    إلى مستهل الهديلْ

    أرى نقطة الضوء

    عالية في البعيدْ

    سأربطها ثم أجذبها

    بخيوط النشيدْ

    أراها تحاولُ

    والمستقر الوحيد

    ترابُ البلادْ

    ترابُ البلادْ

    ترابُ البلادْ(

    من يحمل التابوت. هل يصلون روما

    من بلاد الزيت والزيتون، أين يتممون صلاتهم

    والشمس في الوادي المقدسْ

    لم تصلْ قوسَ المغيبْ

    فخذوا الصلاة

    خذوا عواءَ ضلوعكم

    وخذوا فحيحَ خشوعكم

    ولربما يصل القتيلْ

    أنتم بدأتم وانتهتْ فينا هزائمكم

    فعودوا إن أردتم

    مرة أخرى إلى حرب الصليبْ

    من ها هنا سترون دمع الأمهاتَ

    وأسرَّة الزوجات، وردَ العاشقات

    وترسلون مع الجنازة

    دمعة أخرى على الأحياء

    إن وصلوا المدينة فوقَ قنطرة الهديلْ

    سترون أولنا نهاراً مقبلاً

    وترون آخركم ركاماً مهملاً

    عودوا إذا شئتم لمغفرة الكهانة

    بعد أن تعلو ملامحكم جداراً ساقطاً

    والأرض تخرجُ من قداستها

    وتهبط تحت أرجلكم بلا أبنائها

    وسيصعدون على سلالم موتكم

    والميت يصعدُ هابطاً

    والأرض تخرج من قميص فصولها

    هذا الربيع بلا أبٍ

    لا أم سوف تهشُ سندسه المريضَ

    عن الحقولِ

    ومن يعيدُ بهاءها العربي في الزمن البخيلْ

    (رأيتُ يداً

    تنحتُ الحزن حتى اكتملْ

    ما الذي يتساقط غير الغبار

    عن الجسد المتهالكْ

    أرى وطناً في الهزيع مضاءً

    لمن وصلوا، كيف لي أن أصلْ

    وهذا الغبار يسدُ المسالكْ

    لنا الحق في شمس هذا النهارْ

    لنا أن نعلق غيمتنا

    في ممر الندى

    كي نفيض رذاذاً بكل مدى

    ولها الحق أن تستدل علينا

    زهور البراري

    ورف الحجلْ)

    من يقرعُ الجرسَ المعلقَ في الأعالي

    في هديل حمامةٍ

    وعلى جناحِ غمامةٍ

    من أيها المجنون ينحتُ رؤية فوقَ المكان

    يعيدُ ترتيب الفصولْ

    وينسقُ الفوضى بمصطبةِ الحقولْ

    فاصدحْ بما ملكته فيك يدُ البصيرة

    إني أرى ما لم يُرى

    هذا مكاني لمْ أجدْ إلاّ هنا حجراً

    تحكَ به جناحيها فراشاتي الصغيرة

    هذا مكانك والوقوف به صلاةْ

    فارفع صلاتك كل ثانية

    وفي كل اتجاه

    إني أرى ما لم يُرى فوق البسيطة

    ورأيت ثعلب وابن آوى تحت دالية

    يعدّون الخريطة

    ضاقتْ على جسدي النحيلْ

    (إلى أين تحملني

    يا جناحي المهيضْ

    سكنتُ الجهات جميعاً

    فلم تحتملني ولم أحتملها

    أنا الضدُ وهي النقيضْ

    سأشعلُ قنديلُ روحيْ

    إلى أن تذوب الذبالة بين أصابعكم

    فأعلنوا أيها الأصدقاء انطفائيْ

    وقولي بأني مريضْ

    مضاءٌ أنا بجنونيْ

    ولي أن أنام على جمرة

    كيْ تَمدَّ دمي بالوميضْ)

    ورأيت "دفنا " في حديقة جسمها

    كانت تحاول جهدها

    دفع الأنوثة عن طريق لصوصها

    ورأيت حلمتها تنقط

    من ثقوب قميصها

    لا شيء أحمله لألتقط الرذاذ

    "جيوب بنطالي ممزقة

    وداعاً للجمال"

    فلم أصل أرض الجزيرة

    والقادمون من الشمال

    دخلوا شراشف مهدها

    سرقوا من النهدين رضعتي الأخيرة
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 09/01/2010

    موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين - صفحة 2 Empty رد: موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين

    مُساهمة  Admin الثلاثاء يناير 12, 2010 11:06 am

    الشاعر محمود درويش



    نبذة

    بداية حياته :

    محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة أبناء وثلاث بنات ، ولد عام 1942 في قرية البروة ( قرية فلسطينية مدمرة ، يقوم مكانها اليوم قرية احيهود ، تقع 12.5 كم شرق ساحل سهل عكا) ، وفي عام 1948 لجأ إلى لبنان وهو في السابعة من عمره وبقي هناك عام واحد ، عاد بعدها متسللا إلى فلسطين وبقي في قرية دير الأسد (شمال بلدة مجد كروم في الجليل) لفترة قصيرة استقر بعدها في قرية الجديدة (شمال غرب قريته الأم -البروة-).

    تعليمه :

    أكمل تعليمه الابتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة دير الأسد متخفيا ، فقد كان تخشى أن يتعرض للنفي من جديد إذا كشف أمر تسلله ، وعاش تلك الفترة محروما من الجنسية ، أما تعليمه الثانوي فتلقاه في قرية كفر ياسيف (2 كم شمالي الجديدة).

    حياته :

    انضم محمود درويش إلى الحزب الشيوعي في إسرائيل ، وبعد إنهائه تعليمه الثانوي ، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل "الاتحاد" والمجلات مثل "الجديد" التي أصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها ، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر .

    لم يسلم من مضايقات الاحتلال ، حيث اعتقل أكثر من مرّة منذ العام 1961 بتهم تتعلق بأقواله ونشاطاته السياسية ، حتى عام 1972 حيث نزح إلى مصر وانتقل بعدها إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجا على اتفاق أوسلو.

    شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر في مجلة الكرمل ، وأقام في باريس قبل عودته إلى وطنه حيث انه دخل إلى إسرائيل بتصريح لزيارة أمه ، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه ، وقد سمح له بذلك.

    وحصل محمود درويش على عدد من الجوائز منها:

    جائزة لوتس عام 1969.

    جائزة البحر المتوسط عام 1980.

    درع الثورة الفلسطينية عام 1981.

    لوحة أوروبا للشعر عام 1981.

    جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي عام 1982.

    جائزة لينين في الاتحاد السوفييتي عام 1983.

    يُعد محمود درويش شاعر المقاومة الفلسطينية، ومر شعره بعدة مراحل .



    مختارات من قصائد و دواوين محمود درويش :

    عصافير بلا أجنحة (شعر).

    أوراق الزيتون (شعر).

    عاشق من فلسطين (شعر).

    آخر الليل (شعر).

    مطر ناعم في خريف بعيد (شعر).

    يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص).

    يوميات جرح فلسطيني (شعر).

    حبيبتي تنهض من نومها (شعر).

    محاولة رقم 7 (شعر).

    احبك أو لا احبك (شعر).

    مديح الظل العالي (شعر).

    هي أغنية ... هي أغنية (شعر).

    لا تعتذر عما فعلت (شعر).

    عرائس.

    العصافير تموت في الجليل.

    تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.

    حصار لمدائح البحر (شعر).

    شيء عن الوطن (شعر).

    ذاكرة للنسيان .

    وداعا أيها الحرب وداعا أيها السلم (مقالات).

    كزهر اللوز أو أبعد .

    *********************************



    لو أن الأنبياء أقل إلحاحاً

    وقفة مع محمود درويش في جداريته

    د. عادل الأسطة *

    توقفت في مقالة إشكالية القراءة.. إشكالية النص: قراءة في سطر شعري لمحمود درويش. (1) أمام دال النبي في شعر الشاعر، وقد لاحظت أن هذا الدال ذو مدلول متغير، يعود تغيره إلى تغير مواقف الشاعر من ناحية، وتغير استخدام الدال نفسه من جماعة إلى جماعة ومن عصر إلى عصر، وآثرت إلى أن درويش نفسه اعتبر الأنبياء جميعهم أهله، ولكنه أحياناً تحدث عن أنبياء يدّعون الكذب، وهذا الحب للأنبياء والتقدير لهم، وهذا التحذير من الأنبياء أيضاً يرد في العهد القديم، فمقابل أنبياء الله الصالحين هناك تحذير من أنبياء كذبة سيأتون ليضلوا كثيراً، وفي ثقافتنا الإسلامية يُعز الرسول  ويجبل، كما يعز أنبياء الله الصالحين ويجبلون، ولكننا في الوقت نفسه عرفنا مدّعي النبوة مثل مسيلمة الكذاب وآخرين، حاولوا تأليف نص أشبه، من وجهة نظرهم، بالنص القرآني.

    وقد أتيت في مقالتي "وظيفة الشعر والشاعر"(2) على موقف محمود درويش من دور الشاعر ومكانته والتطور الذي طرأ على هذه خلال الأربعين عاماً الماضية، ومع ذلك، تجدني وأنا أتناول جدارية.(3) لم آت على هذا الجانب بالتفصيل، فالإشارة إلى الأنبياء أو التلميح إلى بعض سلوكهم وأدوارهم تبدو واضحة في النص وضوحاً لافتاً للنظر حيث تغري المرء بمواصلة الكتابة عن هذا الجانب، سوف أقف، ابتداءً أمام المواطن التي أشير فيها إلى النبي والأنبياء وأحصيها، لأتناول بعضها بالشرح والتفسير.

    ترد مفردة نبي ورسالة وأنبياء ومسيح في الفقرات التالية:

    1- سأصير يوماً كرمة،

    فليعصرني الصيف منذ الآن،

    وليشرب نبيذي العابرون على

    ثريان المكان السكري!

    أنا الرسالة والرسول

    أنا العناوين الصغيرة والبريد (ص14)

    2- غنيت كي أزن المدى المهدور

    في وجع الحمامة،

    لا لأشرح ما يقول الله للإنسان،

    لست أنا النبي لأدّعي وحياً

    وأعلن أن هاويتي صعود (ص 22)

    3- كنا طيبين وزاهدين بلا تعاليم المسيح (ص 39)

    4- كنا طبيعيين لو كانت نجوم سمائنا أعلى قليلاً

    من حجارة بئرنا، والأنبياء أقل إلحاحاً، فلم يسمع مدائحنا الجنود (ص 40)

    5- خضراء، أرض قصيدتي خضراء

    ولي منها التشابه في كلام الأنبياء (ص 41)

    6- لم نأت ساعتنا. فلا رسل يقيسون

    الزمان بقبضة العشب الأخير. هل استدار؟ ولا ملائكة يزورون

    المكان ليترك الشعراء ما فيهم على الشفق الجميل (ص 46)

    7- باطل، باطل الأباطيل… باطل كل شيء على البسيطة زائل مثلما سار المسيح على البحيرة سرت في رؤياي، لكني نزلت عن الصليب لأنني أخشى العلوّ، ولا أبشر بالقيام (ص92-100)

    وترد الإشارة إلى أنبياء، بذكر الاسم أو بالإشارة إلى أحداث أو عبارات دالة في مواطن كثيرة هي:

    1- ص 17، الربط بين كلام الشاعر وكلام الله (أرض قصيدتي.. كلام الله عند الفجر).

    2- ص 25، استثارة النص لنا قراءتنا عن جبريل والرسول : (أنا من تقول له الحروف الغامضات: اكتب تكن، واقرأ تجد).

    3- ص 43، التلميح إلى المسيح (كأنما الشاعر المسيح)، "علي أن ألج الغياب، وأن أصدق أولا قلبي وأتبعه إلى قاتل الجليل".

    4- ص 48، الإشارة إلى سيدنا نوح وقصته الطوفان: (فلي عمل على ظهر السفينة. لا/ لأنقذ طائراً من جوعنا أو من/ دوار البحر، بل لأشاهد الطوفان/ عن كثب: وماذا بعد؟ ماذا/ يفعل الناجون بالأرض العتيقة؟)

    5- ص 55، الإشارة إلى المباني وذكر اسم لوط: (فلي عمل على جغرافيا البركان، من أيام لوط إلى قيادة هيروشيما).

    6- ص 61، الإشارة إلى صبر أيوب، حيث يخاطب الشاعر الموت: (ربما أبطأت في تدريب أيوب على الصبر الطويل).

    7- ص 62، تسخير خطاب الله للرسول: (لا تكن فظاً غليظ القلب).

    8- ص 70، الإشارة إلى عيسى عليه السلام: (قال طيف هامشي: "كان أوزيرين مثلك، كان مثلي، وابن مريم كان مثلك، كان مثلي").

    9- ص 84، تداخل صوت الشاعر بصوت الجامعة في العهد القديم: (كل شيء، باطل، فاغتم حياتك مثلما هي).

    10- ص 97، الإشارة إلى قول الرسول  وربط كلامه أنا المتكلم بكلامه: (وقلت: ان مت انتبهت).

    11- ص 101، الشاعر باعتباره مسلماً من المسلمين وله من النص القرآني ما للرسول وللمسلمين: (ولي شبحي وصاحبه. وآية النحاس وآية الكرسي).

    وإذا ما أمعنا النظر في المواطن التي ربط فيها الشاعر مباشرة بين ذاته وبين الرسل والأنبياء، فسنجد أن العلاقة بينهما هي علاقة اتصال وانفصال، وهذه العلاقة التي تتجسد في النص نفيه تتجسد أيضاً في أشعار درويش كلها، فالعلاقة التي كانت، من حيث مهمة كل من الاثنين واحدة، وهي مهمة التغيير، اختلفت في المراحل الشعرية الأخيرة. وإذا كان درويش في بداية حياته يكتب:

    ولو أن السيد المصلوب لم يكبر على عرش الصليب

    ظل طفلاً ضائع الجرح جبان (ديوان- مجلد 1، ص350)

    رابطاً بينه وبين النبي، وهو ما بدا أيضاً في قوله:

    نحن أدرى بالشياطين التي تجعل من طفل نبياً (ديوان- مجلد 1، ص 199)

    وهو ما بدا أيضاً في كثير من قصائد "ورد أقل" (1986) "كلوا من رغيفي، واشربوا من نبيذي" ومن قبل في "مديح الظل العالي" (1983) حيث كان صوت الرسول الذي يحذر من الأخطاء وارتكابها. إذا كان درويش في بداية حياته يكتب هذا، فإنه في "جدارية" يتحلل، غير مرة، من الربط بينه وبين الرسل والأنبياء، على الأقل من حيث إدراكه لمهمته شاعراً.

    حقاً إنه قال في "جدارية":

    "ويشرب نبيذي العابرون على/ ثريا المكان السكري/ أنا الرسالة والرسول"، إلا أنه قال فيها أيضاً: "لست أنا النبي لأدّعي وحيا" و "كنا طبيعيين وزاهدين بلا تعاليم المسيح" و"لو أن الأنبياء أقل إلحاحاً" و"لكنني نزلت عن الصليب"… إلخ.

    وهكذا نجد النص يحفل بتلك الازدواجية، أعني الربط ما بين الشاعر والنبي، والتحلل من إعطاء الشاعر دور النبي، وهذا ما أقر به درويش في المقابلات التي أجريت معه: "ولأن الشاعر أصبح يعي أنه ليس منقذاً وليس مخلصاً وليس مسيحاً وليس نبياً، فهذه كانت صفات الشاعر الرومانسي، فإن الشاعر الآن هو الفرد الذي يتمتع بعزلته وبكونه معزولاً لكي تتاح له فرصته أن يعيد النظر في فرديته وفي ذاته" (الشعراء، عدد 4، 5، ربيع 99، ص 19).

    يرى درويش، إذن، في دوره السابق شاعراً رومانسياً، وإن كنت شخصياً أختلف معه وأرى فيه شاعراً واقعياً اشتراكياً، لأنه كان حزبياً من ناحية، حيث كان عضواً في الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)، وكان يُسخر منه من أجل أفكار الحزب ومن أجل خدمة البسطاء من ناحية ثانية وبوعي تام، حقاً أن الرومانسيين التفتوا إلى الفئات الشعبية، خلافاً للكلاسيكيين الذين توجهوا إلى الأمراء والنبلاء، إلا أن حزبية درويش ودفاعه في الستينات عن الفكر الماركسي الذي تبناه هو ما يجعلني أصنف انتماءه في تلك المرحلة ضمن الواقعية الاشتراكية، وان رأى دارسون في واقعيته تلك ثورية رومانسية.

    كان درويش في بداية حياته يقول:

    يا قارئي!

    لا ترجُ مني الهمس!

    لا ترجُ الطرب (ديوان محمود درويش، مجلد 1، ص 7)

    ويقول:

    يا رفاقي الشعراء!

    نحن في دنيا جديدة مات ما فات، فمن يكتب قصيدة في زمان الريح والذرّة يخلق أنبياءً (مجلد، ص53 و54)

    وكان ينطلق من منطلق الشاعر الثوري الذي يرى في الشعر أداة من أدوات التغيير، فمن يكتب قصيدة في زمان الريح والذرّة يخلق أنبياء. إن الكلمات تخلق أنبياء، وهي سلاح بيد الشاعر يقاتل بها من أجل التغيير. والشاعر، هنا، مثل القائد الحزبي، ومثل النبي، عليه أن يلح إلحاحاً كبيراً على الآخرين حتى يثقفهم ويبعدهم بما ينبغي عليهم أن يفعلوه.

    ولم يتغير موقف درويش إلا بعد أن ترك الحزب، ليدرك بعد تجارب أن لا جدوى من الكلمات إلا رغبة الكلمات في تغيير صاحبها، وهنا تمنى لو أن الأنبياء أقل إلحاحاً، والوعاظ في وعظهم أقل إرشاداً، والأدباء التعليميين في آدابهم أقل تعليمية، لم يعد الشاعر مثل المسيح، ولقد تخلى بمحض إرادته عن تمثل دوره، فلا المسيح ولا الأنبياء، ولا الشعراء استطاعوا أن يغيروا هذا العالم نحو الأفضل، تماماً كما أن الأحزاب التي كانت تطمح إلى عالم أفضل لم تحقق ما كانت تدعو إليه.

    وقد تكون تجارب درويش التي امتدت أربعين عاماً أو يزيد هي ما دفعته إلى ذلك. لعله اكتشف أن العطار لا يستطيع أن يصلح ما أفسد الدهر، هذا الذي هو أقوى من الجميع، فما من أحد قاتل الزمن إلا قتله، وهو مثل الموت في "جدارية"، انه أقوى من الجميع، فهو القوي قاهر الجيوش، وكان درويش قد صدر مجموعته "أرى ما أريد" (1991) بالأسطر الشعرية التالية الدالة:

    وأنا أنظر خلفي في هذا الليل

    في أوراق الأشجار وفي أوراق العمر

    وأحدّق في ذاكرة الماء وفي ذاكرة الرمل

    لا أبصر في هذا الليل

    إلا آخر هذا الليل

    دقات الساعة تقضم عمري ثانية ثانية

    لم يبق من الليل ومني وقت نتصارع فيه وعليه

    لكن الليل يعود إلى ليلته

    وأنا أسقط في حفرة هذا الظل (ص 5)

    وما من شك في أن هذا يحيلنا إلى ما يقوله درويش نفسه في جداريته، في لحظته الراهنة، وما يقوله الصدى الذي يعبر عن درويش يوم كان شاباً قوياً. إن ما يقوله الآن غير ما كان يقوله شاباً، ولعل تتبع أقوال الصدى في النص ومقارنتها بأقوال الصوت الحافر لدرويش يضعنا أمام الفارق الواضح بين قول درويش:

    ولو أن السيد المصلوب لم يكبر على عرش الصليب

    ظل طفلاً ضائع الجرح جبان

    وقوله:

    لو أن الأنبياء أقل إلحاحاً

    لقد كبر الشاعر، وهو شاب، وعاش تجارب جعلته يدعو ويبشر ويحرض ويتفاءل من خلال الشعر، وكان مثل المسيح الذي كبر على عرش الصليب، ولكنه في خمسينيات عمره اكتشف عبث ذلك، ومن هنا أخذ يتمنى لو أن الأنبياء أقل إلحاحاً، وهكذا لم يعد هو شخصياً يلح في أشعاره على التغيير، وأخذ يتساءل عن جدوى القصيدة.



    من أين تأتي الشاعرية؟!

    يتساءل محمود درويش في "جدارية" عن مصدر الشاعرية ويقول:

    من أين تأتي الشاعرية؟

    من ذكاء القلب، أم من فطرة الإحساس بالمجهول؟

    أم من وردة حمراء في الصحراء؟

    لا الشخصي شخصي ولا الكوني كوني

    وقد أحالني قوله هذا إلى عبارة كان قالها في إحدى المقابلات التي أجريت معه، ووظفها شاكر النابلسي في دراسته المعروفة: مجنون التراب: دراسة في شعر وفكر محمود درويش، والعبارة هي: "أنا اعتبر أن المصدر الأول للشعر في تجربتي الشخصية هو الواقع، وأخلق رموزي من هذا الواقع، فرموزي خاصة بي، حيث لا يستطيع الناقد أو القارئ أن يحيل رموزي إلى مرجعية سابقة. أي أنني أحول اليومي إلى رمزي. الواقع هو مصدر رئيسي لشعري" (اللقاء نشر في البيان الخليجية، 20/5/1986).

    وقد تحيلنا هذه العبارة إلى اللقاء الذي نشر مع الشاعر في مجلة "مشارف" في عددها الثالث، يوم سأله عباس بيضون عن بعض الصور الغامضة في مجموعة "لماذا تركت الحصان وحيداً"، وتحديداً الصورة التي ترد في قصيدة "تعاليم حورية":

    وخبزت للسمّاق

    عرف الديك. أعرف ما يخرب قلبك المثقوب بالطاووس

    وقد قال درويش في اللقاء عن مصدر الصوت ما يلي:

    "الصورة ليست دائماً ذات مرجع ذهني. قد أكون راجعاً من حديقة الحيوانات والطاووس. أعني ألوانه، مروحته اللونية، اخترقتني. من وظائف الشعر ـ وهذا ما تعلمناه من لوركا ـ تغيير الحواس. وقد أكون حينها أكتب هذه القصيدة، ودخل الطاووس فيها. لكني لا أعتقد أن هذا خرب القصيدة. هناك أيضاً المطبوع بعرف الديك". (ص 94)

    وحين يعقب عباس بيضيون قائلاً: "هذه الصورة ممكنة التخيل" يجيب الشاعر: "يعني أن ألوان الطاووس تخترق كأنها تثقبه. ليس عندي دفاع علمي عن هذه الصورة".

    وسنجد أن درويش، فيما بعد، وتحديداً في المقابلة التي أجريت معه ونشرت في الشعراء يقول: إن الكتابة كتابة على الكتابة، ولا توجد كتابة تبدأ من بياض. (الشعراء، عدد 4 و 5، ربيع 1999).

    ومن المؤكد أن كلام درويش هذا لا ينطبق على رموزه وصوره كلها، فقد تكون بعض الصور صدى لقراءاته السابقة، تماماً كما قد تكون بعض العبارات تكراراً لقراءاته.

    سوف أقف، في هذه المقالة، أمام بعض الصور التي وردت في أشعاره، لا التأكيد ما قاله عام (1986) أو لتأكيد ما قاله عام (1999)، وإنما للمشاركة في مساءلة الشاعر عن مصادر صوت وإبداء رأيي في هذا، ولتكن هذه الكتابة ضرباً من إتمام المقابلات أو توضيحياً لما ورد فيها، ولكنني أرغب ابتداء، في الإحالة إلى رأيين نقديين استثاراني وتذكرتهما وأنا أقرأهما وأقرأ أشعار درويش أيضاً، الأول للدكتور حسام الخطيب والثاني للإيطالي امبرتو ايكو.

    في دراسته "تقنية النص التكويني ومغامرة مع نص درويش" يعرف الخطيب النص المشعب بأنه "نص متعدد الأبعاد" وأنه "يؤمن بعداً آخر هو العلاقة بين النصوص المختلفة"، ويضيف بأن هناك بعداً آخر يتمثل في إمكان تواصل الأفراد بعضهم مع بعض وهم يعالجون النص وتضافرهم من أجل تفجير إمكانات النص (الشعر العربي في نهاية القرن، 1997، ص 73).

    "درويش ولغة الظلال"، وتوقفت فيها أمام تعدد المدلول للدال الواحد، ومن ضمن الدوال التي تناولتها دال الفراشة. ولم اعتمد في تفسير مدلول هذا الدال على ما أعرف وحسب، لقد عدت إلى المعاجم اللغوية والمعاجم المتخصصة، وأسعفتني الأخيرة في فهم ما استعصي عليّ اكتشافه، وقد قلت في نهاية دراستي ما يلي:

    "وتحتاج أشعار درويش، حتى تفهم، إلى بحث في الرموز؛ رموز المغررات ودلالاتها، فالشاعر مطلع اطلاعاً واسعاً على الثقافة العربية والإسلامية والإنسانية، وقد مرّ بتجارب غنية ومن المؤكد أن علينا أن نقر بأن ثقافة المرء غالباً ما تجد طريقاً إلى كتابته، بوعي منه أو دون وعي".

    ومن التفسيرات التي قدمتها لدالة الفراشة التفسير التالي: الفراشة هي الفدائي، وهذا حين يذهب إلى فلسطين ليقاتل من أجل تحريرها، يدرك أنه قد يستشهد، بل أن إمكانية استشهاده كبيرة جداً، إنه هنا مثل الفراشة التي تقترب من النار فتحترق. والناس يرون أن الفراشة في سلوكها هذا غبية، ولهذا قالوا: أطيش من فراشة، أغبى من فراشة، فهل الفدائي طائش؟

    والشاعر يقول: للفراشات اجتهادي ـ أي لهؤلاء الفدائيين اجتهادي وقد ورد هذا في قصيدة تتمحور حول الفدائي، وهي "أحمد الزعتر".

    والسؤال الآن: ما هي مرجعية صورة درويش هذه؟ هل المرجعية خياله أم قراءاته التي أثرت فيه؟ وهل كان واعياً لهذه القراءة أم غير واع لها؟

    لقد دفعني إلى كتابة هذا المقال قراءتي الجديدة لقصة حنا إبراهيم "متسللون"، وكنت أنوي أن أكتب عنها مقالة بمناسبة صدور الأعمال القصصية الكاملة للمؤلف، وكنت قرأت القصة من قبل وكتبت عنها في كتابي "اليهود في الأدب الفلسطيني" (1992)، ولم ألتفت وأنا أناقش دالة الفراشة في أشعار درويش إليها، ويبدو أنني نسيت جزئيات القصة وبعض تشابهها، وقد توقفت في قراءتي الجديدة أمام سطر حثني على العودة إلى أشعار درويش ودراسة الخطيب ومحاضرة "ايكو" والسطر هو:

    وربما خامرها (أي سارة) شيء من الشفقة على أولئك المنكودين الذين لا ينفكون يعكرون أمن الحدود، فتشبههم بالفراش الذي يحوم حول الناس فيحترق" (أ.ب، ص 73).

    وتشبّه سارة، كما هو واضح، الفلسطينيين الذين كانوا عام 1948 يعودون إلى منازلهم تسللاً بالفراش، لأن مصير بعض هؤلاء كان القتل والموت، وهذه الصورة تتكرر في أشعار درويش "وكان صديقي يطير ويلعب مثل الفراشة حول دم (نار) ظنه زهرة و"نسافر بحثاً عن الصفر كي نستعيد صواب الفراش".

    هل قرأ درويش قصة حنا إبراهيم هذه؟ وهل ظل يتذكر هذا التشبيه أم أنه نسيه على أنه تشبيه ورد في القصة، ولكنه استهواه فظل في ذاكرته؟، وهكذا وجد التشبيه هذا صورة في أشعار الشاعر دون وعي منه على أنه ورد في نص سابق، نص كتب عام 1954، يوم لم يكن الشاعر يتجاوز الرابعة عشرة من عمره.

    هنا يمكن العودة إلى جدارية، لقد قرأ درويش القرآن والعهد القديم، وترك هذان الكتابان عليه تأثيراً واضحاً منذ بداية شبابه، ومن يقرأ جدارية يلحظ حضوراً واضحاً للنص الديني فيها، حضوراً يكاد يقترب، أحياناً، من الاقتباس شبه الحرفي. وهنا لا يتردد المرء في القول أن الكتابة هي كتابة على الكتابة، وإذا كنا في بداية هذه المقالة استشهدنا بقول درويش: من أين تأتي الشاعرية؟ فإننا نستطيع أيضاً أن نستشهد بسطر دال تكرر مرتين ونظراً لأن هذا النص غني بعلاقاته وتركيباته وصوره، فيجدر أن يدرس من خلال علاقته بالنصوص الأخرى، لا من خلال أبعاده التاريخية والسيكولوجية والنفسية، ويقترح د. الخطيب أن يستعان بالتكنولوجيا الحديثة بالإسهام في إخراج الأدب من عزلة الرصيف.

    كما أنه يدعو إلى ربط النصوص بعضها ببعض لمعرفة تداخلاتها وتشابكاتها.

    ويأتي (امبرتو ايكو) في كتابه "التأويل بين السيميائيات والتفكيكية" (بيروت 2000) على العلاقة بين المؤلف والنص، وذلك في الفصل الثالث الذي عنوانه "بين المؤلف والنص"، ويكتب عن صلة نصه "اسم الوردة" بنصوص سابقة، كان واعياً لبعضها وهو يكتب نصه، وغير واعٍ لبعضها الآخر، وقد نبهه بعض القراء إلى أشياء لم يكن واعياً لها في أثناء إنجازه النص، ولكن ما قاله القراء كان ممكناً.

    وقرأت تحاليل نقدية يشير فيها أصحابها إلى وجود تأثيرات لم أكن واعياً بها في أثناء كتابتي للرواية، إلا أنني قد أكون قرأتها بكل تأكيد في شبابي، ومارست علي تأثيراً بشكل لا شعوري (لقد قال لي صديقي جيوريجو سالي: قد يكون بين قراءاتي القديمة روايات ديمتري ميروسكوفسكي، واعترفت له بصحة ذلك" (ص 95).

    ويأتي (ايكو) بأمثلة أكثر وهو يناقش هذا الأمر، وهذا يعني ببساطة أن نصه "اسم الوردة" كان يحفل بنصوص أخرى، وعي الكاتب بعضها، ولم يعِ بعضها الآخر، ولكن هذه ربما تركت أثراً على نصه. وهنا نعود إلى سؤال درويش: من أين تأتي الشاعرية؟ ونعود أيضاً إلى رأييه (1986 و 1999). هل المصدر الأول للشعر في تجربته الشخصية هو الواقع، أم أن كتابته هي كتابة على الكتابة؟ هل مصدر الشاعرية التجربة أم القراءة أم كلاهما معاً؟ لقد أنجزت في أيلول 1999، دراسة عنوانها "محمود في جدارية" هو: الواقعي هو الخيالي الأكيد، هذا ما تقوله له الحروف الغامضات، وهذا ما قاله الشاعر عام (1986): "وأخلق رموزي من هذا الواقع"، ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام المقطع: "فرموزي خاصة بي، حيث لا يستطيع الناقد أو القارئ أن يحيل رموزي إلى مرجعية سابقة" ونجد أنفسنا أمام السؤال الصعب: هل هذا صحيح دائماً؟

    لقد استعنت، شخصياً، بمعجم الرموز (ما نفرد لوركر) لتفسير مدلولات بعض الدوال في أشعار درويش، وكان شاكر النابلسي قد استعان بالقراء وهو يشرح بوابات درويش الشعرية ورموزه، وكثير من التفسيرات التي وردت في معجم الرموز، وهذا يختصر الدلالات الرمزية للدال في الأدب العالمي ويوضحها، وكثير مما قاله القراء يتطابق وما أراده درويش، والسؤال هو: هل اختلاق درويش رموزه جاء من الواقع وحسب؟ أم أن الواقع نفسه صدى للماضي، وسواء أقرأ درويش مدلولات الدال الواحد أم لم يقرأها فإن الواقع يقولها، وهكذا يبدو أن ما يقوله صحيح؟

    الذين درسوا الأمثال لدى الشعوب لاحظوا أن هناك أمثالاً كثيرة تتشابه، فهل كانت الدلالات الرمزية للألوان وأسماء تصف المخلوقات والمخلوقات نفسها تتشابه؟! مجرد تساؤل واجتهاد!!

    الهوامش

    1- انظر مجلة "الكلمة" رام الله، خريف 2000، عدد 6.

    2- انظر جريدة "الأيام" رام الله، 4/7/2000.

    3- انظر مجلة "الشعراء" رام الله، خريف 2000، عدد 10.

    * أستاذ الأدب في كلية الآداب بجامعة النجاح الوطنية .

    *********************************



    وطن في قصيدة

    لم يكن محمود درويش يعبث لحظة واحدة بأدوات رسالته لفرط حساسية هذه الأدوات. فأداة الشاعر الفلسطيني واحدة بطبيعته الاستثنائية، هذه الأداة هي الوطن المفقود الذي يصبح في الغياب فردوسا مفقودا"، هكذا صدر الحكم - قدريا - على محمود درويش الشاعر أن يولد فلسطينيا ليصبح لسانا لهذه الأرض التي أُفقدت عن عمد الكثير من ألسنتها.

    والمتتبع لحياة محمود درويش يجدها قد مثّلت - بصورة نموذجية - أبعاد قضية شعبه على مدار ستين عاما هي مدتها، وعبر توصيفات صدقت في كل وقت على كل أفراد هذا الشعب.

    مع الميلاد: عندما كنت صغيرا.. كانت الوردة داري.. والعصافير إزاري

    في عام 1942 وُلد محمود درويش في قرية "البروة" بالقرب من عكا، وهي القرية التي لا يذكر منها الكثير، حيث بترت ذكرياته فجأة وهو في السادسة من عمره.

    في إحدى الليالي حالكة السواد استيقظ فجأة على أصوات انفجارات بعيدة تقترب، وعلى هرج في المنزل، وخروج فجائي، وعدوٍ استمر لأكثر من ست وثلاثين ساعة تخلله اختباء في المزارع من أولئك الذين يقتلون ويحرقون ويدمرون كل ما يجدونه أمامهم "عصابات الهاجاناة".

    ويستيقظ الطفل محمود درويش ليجد نفسه في مكان جديد اسمه "لبنان"، وهنا يبدأ وعيه بالقضية يتشكل من وعيه ببعض الكلمات، مثل: فلسطين، وكالات الغوث، الصليب الأحمر، المخيم، واللاجئين… وهي الكلمات التي شكّلت مع ذلك إحساسه بهذه الأرض، حين كان لاجئا فلسطينيا، وسُرقت منه طفولته وأرضه.

    وفي عامه السابع عشر تسلل إلى فلسطين عبر الحدود اللبنانية، وعن هذه التجربة يقول:

    "قيل لي في مساء ذات يوم.. الليلة نعود إلى فلسطين، وفي الليل وعلى امتداد عشرات الكيلومترات في الجبال والوديان الوعرة كنا نسير أنا وأحد أعمامي ورجل آخر هو الدليل، في الصباح وجدت نفسي أصطدم بجدار فولاذي من خيبة الأمل: أنا الآن في فلسطين الموعودة؟! ولكن أين هي؟ فلم أعد إلى بيتي، فقد أدركت بصعوبة بالغة أن القرية هدمت وحرقت".

    هكذا عاد الشاب محمود درويش إلى قريته فوجدها قد صارت أرضا خلاء، فصار يحمل اسما جديدا هو: "لاجئ فلسطيني في فلسطين"، وهو الاسم الذي جعله مطاردًا دائما من الشرطة الإسرائيلية، فهو لا يحمل بطاقة هوية إسرائيلية؛ لأنه "متسلل".. وبالكاد وتنسيقًا مع وكالات الغوث بدأ الشاب اليافع في العمل السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي، محاولا خلق مناخ معادٍ للممارسات الإرهابية الصهيونية، وكان من نتيجة ذلك أن صار محررا ومترجما في الصحيفة التي يصدرها الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)، وهو الحزب الذي رفع في تلك الفترة المبكرة من الستينيات شعارا يقول: "مع الشعوب العربية.. ضد الاستعمار"، وهي الفترة ذاتها التي بدأ يقول فيها الشعر، واشتُهر داخل المجتمع العربي في فلسطين بوصفه شاعرا للمقاومة لدرجة أنه كان قادرا بقصيدته على إرباك حمَلة السلاح الصهاينة، فحينئذ كانت الشرطة الإسرائيلية تحاصر أي قرية تقيم أمسية شعرية لمحمود درويش.

    وبعد سلسلة من المحاصرات، اضطر الحاكم العسكري إلى تحديد إقامته في الحي الذي يعيش فيه، فصار محظورا عليه مغادرة هذا الحي منذ غروب الشمس إلى شروقها في اليوم التالي، ظانا أنه سيكتم صوت الشاعر عبر منعه من إقامة أمسياته.

    إلى المنفى: وطني على كتفي.. بقايا الأرض في جسد العروبة

    وهنا بدأ محمود درويش الشاعر الشاب مرحلة جديدة في حياته بعد أن سُجن في معتقلات الصهيونية ثلاث مرات: 1961 – 1965 – 1967.

    ففي مطلع السبعينيات وصل محمود درويش إلى بيروت مسبوقا بشهرته كشاعر، وعبر أعوام طويلة من التنقل كان شعره صوتا قويا يخترق أصوات انفجارات الحرب الأهلية في لبنان.

    وفي عام 1977 وصلت شهرته إلى أوجها، حيث وُزع من كتبه أكثر من مليون نسخة في الوقت الذي امتلكت فيه قصائده مساحة قوية من التأثير على كل الأوساط، حتى إن إحدى قصائده (عابرون في كلام عابر) قد أثارت نقاشا حادا داخل الكنيست الإسرائيلي.

    هذا التأثير الكبير أهَّله بجدارة لأن يكون عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الرغم من عدم انتمائه لأية جماعة أو حزب سياسي منذ مطلع السبعينيات، وقد تطورت علاقته بمنظمة التحرير حتى اختاره "عرفات" مستشارا له فيما بعد ولفترة طويلة، وقد كان وجوده عاملا مهما في توحيد صفوف المقاومة حينما كان يشتد الاختلاف، وما أكثر ما كان يشتد!.

    يذكر "زياد عبد الفتاح" أحد أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واقعة تؤكد هذا المعنى فيقول: "قرأ محمود درويش على المجلس الوطني الفلسطيني بكامل أعضائه ومراقبيه ومرافقيه وضيوفه وحرسه قصيدة: "مديح الظل العالي" فأثملهم وشغلهم عن النطاح السياسي الذي شب بينهم في تلك الجلسة.

    وهذا ما جعل ياسر عرفات يحاول إقناع محمود درويش بُعيد إعلان قيام الدولة الفلسطينية في المنفى بتولي وزارة الثقافة الفلسطينية، ولكن الرد كان بالرفض، معللا هذا الرفض بأن أمله الوحيد هو العودة إلى الوطن ثم التفرغ لكتابة الشعر.

    وقد عاش محمود درويش كثيرا من مآسي هذه المقاومة، وشاهد بنفسه كثيرين من أصدقائه ورفقاء كفاحه وهم يسقطون بأيدي القتلة الصهاينة، وكانت أكثر حوادث السقوط تأثيرا في نفسه حادث اغتيال "ماجد أبو شرار" في روما عام 1981، حين كانا يشاركان في مؤتمر عالمي لدعم الكتاب والصحفيين الفلسطينيين نظَّمه اتحاد الصحفيين العرب بالتعاون مع إحدى الجهات الثقافية الإيطالية.. وضع الموساد المتفجرات تحت سرير ماجد أبو شرار.. وبعد موته كتب محمود درويش في إحدى قصائده: "أصدقائي.. لا تموتوا".

    كان محمود درويش مقيما في بيروت منذ مطلع السبعينيات، وعلى الرغم من تجواله المستمر إلا أنه قد اعتبرها محطة ارتكازه، كما كانت حياته في بيروت زاخرة بالنشاط الأدبي والثقافي، فقد أصدر منها في أواخر السبعينيات مجلة الكرمل التي رأس تحريرها والتي اعتبرت صوت اتحاد الكتاب الفلسطينيين.



    تحت القصف: (بيروت.. لا)

    أثناء قصف بيروت الوحشي، كان محمود درويش يعيش حياته الطبيعية، يخرج ويتنقل بين الناس تحت القصف، لم يكن يقاتل بنفسه، فهو لم يعرف يوما كيف يطلق رصاصة، لكن وجوده - وهو الشاعر المعروف - بين المقاتلين كان يرفع من معنوياتهم، وقد أثر قصف بيروت في درويش تأثيرا كبيرا على مستويات عديدة.

    فعلى المستوى النفسي كانت المرة الأولى التي يحس فيها بالحنق الشديد، على الرغم من إحباطاته السابقة، وعلى المستوى الشعري أسهم هذا القصف في تخليه عن بعض غموض شعره لينزل إلى مستوى أي قارئ، فأنتج قصيدته الطويلة الرائعة "مديح الظل العالي"، معتبرا إياها قصيدة تسجيلية ترسم الواقع الأليم، وتدين العالم العربي، بل الإنسانية كلها.

    وأسفر القصف عن خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، بينما فضّل محمود درويش البقاء في بيروت، معولا على عدم أهميته بالنسبة للصهاينة، لكنه وبعد عشرين يوما من بقائه علم أنه مطلوب للتصفية، فاستطاع أن يتسلل هاربا من بيروت إلى باريس ليعود مرة أخرى إلى حقيبته وطنا متنقلا ومنفى إجباريا. وبين القاهرة وتونس وباريس عاش محمود درويش حبيس العالم المفتوح معزولا عن جنته الموعودة.. فلسطين.

    لقد كان الأمل في العودة هو ما يدفعه دائما للمقاومة، والنضال والدفع إلى النضال.

    كان محمود درويش دائما يحلُم بالعودة إلى أرضه يشرب منها تاريخها، وينشر رحيق شعره على العالم بعد أن تختفي رائحة البارود، لكنه حلم لم يتحقق حتى الآن!.

    اتفاقات التسوية "لماذا تطيل التفاوض يا ملك الاحتضار"؟

    في عام 1993 وأثناء تواجده في تونس مع المجلس الوطني الفلسطيني، أُتيح لمحمود درويش أن يقرأ اتفاق أوسلو، واختلف مع ياسر عرفات لأول مرة حول هذا الاتفاق، فكان رفضه مدويا، وعندما تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى قدم استقالته من المجلس الوطني الفلسطيني، وشرح بعد ذلك أسباب استقالته قائلا: "إن هذا الاتفاق ليس عادلا؛ لأنه لا يوفر الحد الأدنى من إحساس الفلسطيني بامتلاك هويته الفلسطينية، ولا جغرافية هذه الهوية إنما يجعل الشعب الفلسطيني مطروحا أمام مرحلة تجريب انتقالي.. وقد أسفر الواقع والتجريب بعد ثلاث سنوات عن شيء أكثر مأساوية وأكثر سخرية، وهو أن نص أوسلو أفضل من الواقع الذي أنتجه هذا النص".

    وعاد درويش في يونيو 1994 إلى فلسطين، واختار الإقامة في رام الله، وعانى مذلة الوجود في أرض تنتمي له، ويحكمها -ولا يحكمه- فيها شرطي إسرائيلي.. واستمر يقول الشعر تحت حصار الدبابات الإسرائيلية، إلى أن تم اجتياحها أخيرا، ولم يسلم هو شخصيا من هذا الاجتياح، حيث داهمت الشرطة الإسرائيلية منزله، وعبثت بأسلحته: أوراقه وأقلامه.

    رحلة الإبداع "مع الشعر مجيئي … مع الشعر رحيلي"

    "إذا كنا هامشيين إلى هذا الحد فكريا وسياسيا فكيف نكون جوهريين إبداعيا؟"

    هكذا أجاب درويش، وهكذا يرى نفسه وسط عالم من الإبداع الجيد والمبدعين "الجوهريين"، رغم التقدير الذي يلقاه داخل وطننا العربي وخارجه الذي بلغ ذروته حين قام وفد من البرلمان العالمي للكتاب يضم وول سوينكا وخوسيه ساراماغو وفينثنثو كونسولو وبرايتن برايتنباك وخوان غويتيسولو إلى جانب كريستيان سالمون سكرتير البرلمان 24 مارس 2002 بزيارة درويش المحاصر في رام الله مثل ثلاثة ملايين من مواطنيه، وهذه الخطوة –زيارة وفد الأدباء لفلسطين- التي لم تستغل جيدا رغم أنها حدث في منتهى الأهمية – تنم عن المكانة التي يحتلها درويش على خريطة الإبداع العالمي.

    وعلى هامش الزيارة كتب الكاتب الأسباني خوان غويتسولو مقالا نشره في عدد من الصحف الفرنسية والأسبانية اعتبر فيه محمود درويش أحد أفضل الشعراء العرب في القرن الحالي ويرمز تاريخه الشخصي إلى تاريخ قومه، وقال عن درويش إنه استطاع: تطوير هموم شعرية جميلة ومؤثرة احتلت فيها فلسطين موقعا مركزيا، فكان شعره التزاما بالكلمة الجوهرية الدقيقة، وليس شعرا نضاليا أو دعويا، هكذا تمكن درويش، شأنه في ذلك شأن الشعراء الحقيقيين، من ابتكار واقع لفظي يرسخ في ذهن القارئ باستقلال تام عن الموضوع أو الباعث الذي أحدثه.

    وكان درويش قد شارك في الانتفاضة الأخيرة بكلماته التي لا يملك غيرها بديوان كتبه في أقل من شهر عندما كان محاصرا في رام الله، وأعلن درويش أنه كتب هذا الديوان – الذي أهدى ريعه لصالح الانتفاضة – حين كان يرى من بيته الدبابات والجنود, ويقول: "لم تكن لدي طريقة مقاومة إلا أن أكتب, وكلما كتبت أكثر كنت أشعر أن الحصار يبتعد, وكانت اللغة وكأنها تبعد الجنود لأن قوتي الوحيدة هي قوة لغوية".

    وتابع قائلا "كتبت عن قوة الحياة واستمرارها وأبدية العلاقة بالأشياء والطبيعة. الطائرات تمر في السماء لدقائق ولكن الحمام دائم.. كنت أتشبث بقوة الحياة في الطبيعة للرد على الحصار الذي أعتبره زائلا؛ لأن وجود الدبابة في الطبيعة وجود ناشز وليس جزءا من المشهد الطبيعي".

    اللافت أن درويش لم يخاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون في أي قصيدة من قصائد الديوان. وقال درويش بشأن ذلك: إن شارون "لا يستحق قصيدة فهو يفسد اللغة.. هو متعطش للدماء ولديه حقد كبير, ولكن المشكلة في الدعم الأميركي الذي يمنحه بعد كل مجزرة وساما بأنه رجل سلام".

    وما زال الشاعر ابن الستين ربيعا متفجرا يعيش تحت سماء من دخان البارود الإسرائيلي وخلف حوائط منزل صغير مهدد في كل وقت بالقصف أو الهدم، وبجسد مهدد في كل وقت بالتحول إلى غربال.. ورغم ذلك فإن كل هذا يقوي من قلمه، ويجعله أشد مقاومة.

    *********************************



    الإسرائيلي يحاكم نفسه.. في شعر "درويش"

    إلى قاتل..

    لو تأملت وجه الضحية وفكرت..

    كنت تذكرت أمك في غرفة الغاز..

    كنت تحررت من حكمة البندقية وغيرت رأيك..

    ما هكذا تستعاد الهوية..
    هذه الكلمات تمثل مذكرة ادعاء حاول بها الشاعر "محمود درويش" دفع القاتل الإسرائيلي إلى محاكمة نفسه في إحدى قصائد ديوانه الأخير "حالة حصار" الصادر عن دار رياض نجيب الريس للطباعة.

    وأكد درويش أن هذا الكتاب كتبه في أقل من شهر عندما كان محاصرا في رام الله، وصرح بأن شارون لا يستحق قصيدة فهو يفسد اللغة، هو متعطش للدماء ولديه حقد كبير، ولكن المشكلة في الدعم الأمريكي الذي يمنحه بعد كل مجزرة وساما بأنه رجل سلام.. ولكن إذا سقط شارون فمعنى ذلك أن مشروعه في الحل العسكري قد سقط أيضا.
    ويصف حالة الحصار التي عاشها في مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة بقصائد عدة منها:

    الحصار هو الانتظار..

    هو الانتظار على سلم مائل وسط العاصفة..

    الحصار يحولني من مغن إلى وتر سادس في الكمان..

    أيها الساهرون ألم تتعبوا من مراقبة الضوء في ملحنا..

    ومن وهج الورد في جرحنا..

    ألم تتعبوا أيها الساهرون..

    ولكن في غمرة هذا الحصار يظهر الأمل في شعر درويش:

    بلاد على أهبة الفجر..

    لن نختلف على حصة الشهداء من الأرض..

    ها هم سواسية يفرشون لنا العشب كي نأتلف..

    ويخاطب درويش في إحدى قصائده الجنود الإسرائيليين الذين يحاصرون المناطق الفلسطينية قائلا:

    أيها الواقفون على العتبات ادخلوا..

    واشربوا معنا القهوة العربية، قد تشعرون بأنكم بشر مثلنا..

    أيها الواقفون على عتبات البيوت

    اخرجوا من صباحاتنا نطمئن إلى أننا بشر مثلكم..

    ويتناول محمود درويش في ديوانه الذي يقع في مائة صفحة من القطع الوسط - وقد خصص ريعه للانتفاضة الفلسطينية - تحديد مفهوم واضح للسلام، فيقول في إحدى القصائد:

    السلام نهار أليف لطيف خفيف الخطا لا يعادي أحد..

    السلام قطار يوحد سكانه العائدين أو الذاهبين إلى نزهة في ضواحي الأبد..

    السلام هو الاعتراف علانية بالحقيقة..

    ماذا صنعتم بطيف القتيل..

    السلام هو الانصراف إلى عمل في الحديقة..

    ماذا سنزرع عما قليل..

    ومحمود درويش المولود في "البروة" في "الجليل" بشمال فلسطين المحتلة عام 1948 كان قد وطئ أرض فلسطين لأول مرة عام 1995، وتحديدا إلى "غزة" قبل أن يستقر في رام الله بعد قرابة ربع قرن من المنفى.

    *********************************


    بين حلمي و بين اسمه كان موتي بطيئا
    باسمها أتراجع عن حلمها. ووصلت أخيراً إلى
    الحلم. كان الخريف قريباً من العشب. ضاع
    اسمها بيننا... فالتقينا.
    لم أسجلّ تفاصيل هذا اللقاء السريع. أحاول شرح
    القصيدة كي أفهم الآن ذاك اللقاء السريع.
    هي الشيء أو ضدّه، وانفجارات روحي
    هي الماء والنار، كنا على البحر نمشي.
    هي الفرق بيني... وبيني].
    وأنا حامل لاسم أو شاعر الحلم. كان اللقاء سريعاً.
    أنا الفرق بين الأصابع والكفّ. كان الربيع
    قصيراً أنا الفرق بين الغصون وبين الشجر.
    كنت حملها، واسمها يتضاءل. كانت تسمّى
    خلايا دمي. كنت ألمها
    والتقينا أخيراً.
    أحاول شرح القيدة كي أفهم الآن ماذا حدث...
    - يحمل الحلم سيفاً ويقل شاعرة حين يبلغه –
    هكذا أخبرتني المدينة حين غفوت على ركبتيها
    لم أكن حاضراً
    لم أكن غائبا
    كنت بين الحضور وبين الغياب
    حجرا... أو سحابه
    - تشبهين الكآبة
    قلت لها باختصار شديد
    تشبهين الكآبة
    ولكنّ صدرك صار مظاهرة العائدين من الموت...
    ما كنت جنديّ هذا المكان
    وثوريّ هذا الزمان
    لأحمل لا فتةً، أو عصا، في الشوارع.
    كان لقائي قصيراً
    وكان وداعي سريعاً.
    وكانت تصير إلى امرأةٍ عاطفية
    فالتحمت بها
    وصارت تفاصيلها ورقاً في الخريف
    فلملمها عسكريّ المرور
    ورتّبها في ملف الحكومة
    وفي المتحف الوطني
    - تشبهين المدينة حين أكون غريباً
    قلت لها باختصار شديد
    تشبهين المدينة.
    هل رآك الجنود على حافّة الأرض
    هل هربوا منك
    أم رجموك بقنبلة يدوية؟
    قالت المرأة العاطفيّة :
    كلّ شيء يلامس جسمي
    يتحوّل
    أو يتشكّل
    حتى الحجارة تغدو عصافير.
    قلت لها باكياً:
    ولماذا أنا
    أتشرّد
    أو أتبدّد
    بين الرياح وبين الشعوب؟
    فأجابت:
    في الخريف تعود العصافير من حالة البحر
    - هذا هو الوقت
    - لا وقت
    وابتدأت أغنية:
    في الخريف تعود العصافير من حالة البحر
    هذا هو الوقت، لا وقت للوقت
    هذا هو الوقت
    - ماذا تكون البقيّة؟
    - شبه دائرة أنت تكلمها
    - أذهب الآن؟
    - لا تذهب الآن. إنّ الرياح على خطأ دائما.
    والمدينة أقرب.
    - المدينة أقرب !!‍‍ أنت المدينة
    - لست مدينة
    أنا امرأةٌ عاطفية
    هكذا قلت قبل قليل
    واكتشفت الدليل
    وأنت البقية
    - آه، كنت الضحيّة
    فكيف أكون الدليل؟
    - وكنت أعانقها. كنت أسألها نازفاً:
    أ أنت بعيدة؟
    - على بعد حلم من الآن
    والحلم يحمل سيفاً. ويقتل شاعره حين يبلغه
    - كيف أكمل أغنيتي
    والتفاصيل ضاعت. وضاع الدليل؟
    - انتهت صورتي
    فابتدئ من ضياعك.
    أموت - أحبّك
    إن ثلاثة أشياء لا تنتهي:
    أنت، والحبّ، والموت
    قبّلت خنجرك الحلو
    ثم احتميت بكفّيك
    أن تقتليني
    وأن توقفيني عن الموت
    هذا هو الحب.
    إني أحبّك حين أموت
    وحين أحبّك
    أشعر أني أموت
    فكوني امرأة
    وكوني مدينة‍
    ولكن، لماذا سقطت، لماذا احترقت
    بلا سببٍ؟
    ولماذا ترهّلت في خيمة بدويّة؟
    - لأنك كنت تمارس موتاً بدون شهيّة
    وأضافت، كأنّ القدر
    يتكسّر في صوتها:
    هل رأيت المدينة تذهب
    أم كنت أنت الذي يتدحرج من شرفة اللّه
    قافلةً من سبايا؟
    هل رأيت المدينة تهرب
    أم كنت أنت الذي يحتمي بالزوايا‍
    المدينة لا تسقط، الناس تسقط !‍
    ورويداً... رويداً تفتّت وجه المدينة
    لم نحوّل حصاها إلى لغةٍ
    لم نسيّج شوارعها
    لم ندافع عن الباب
    لم ينضج الموت فينا.
    كانت الذكريات مقراً لحكام ثورتها السابقة
    ومرّ ثلاثون عاماً
    وألف خريف
    وخمس حروب
    وجئت المدينة منهزماً من جديد
    كان سور المدينة يشبهني
    وقلت لها:
    سأحاول حبّك...
    لا أذكر الآن شكل المدينة
    لا أذكر اسمي
    ينادونني حسب الطقس والأمزجة
    لقد سقط اسمي بين تفاصيل تلك المدينة
    لملمه عسكريّ المرور
    ورتّبه في ملف الحكومة
    - تشبهين الهويّة حين أكون غريباً
    تشبهين الهويّة.
    - ليس قلبي قرنفلةً
    ليس جسمي حقلاً
    - ما تكونين؟
    هل أنت أحلى النساء وأحلى المدن
    - للذي يتناسل فوق السفن
    وأضافت:
    بين شوك الجبال وبين أماسي الهزائم
    كان مخاضي عسيراً
    - وهل عذّبوك لأجلي؟
    - عذّبوك لأجلي
    - هل عرفت الندم؟
    - النساء – المدن
    قادراتٌ على الحبّ، هل أنت قادر؟
    - أحاول حبّك
    لكنّ كل السلاسل
    تلتفّ حول ذراعيّ حين أحاول...
    هل تخونينني؟
    - حين تأتي إليّ
    - هل تموتين قبلي؟
    سألتك : موتي!
    - أيجديك موتي!
    - أصير طليقاً
    لأن نوافذ حبّي عبوديّةٌ
    والمقابر ليست تثير اهتمام أحد
    وحين تموتين
    أكمل موتي.
    بين حلمي وبين اسمه
    كان موتي بطيئاً بطيئاً.
    أموت – أحبّك
    إن ثلاثة أشياء لا تنتهي
    أنت، والحبّ، والموت
    أن تقتليني
    وأن توقفيني عن الموت.
    هذا هو الحبّ
    ... وانتهت رحلتي فابتدأت
    وهذا هو الوقت: ألا يكون لشكلك وقت.
    لم تكوني مدينة
    الشوارع كانت قبل
    وكان الحوار نزيفاً
    وكان الجبل
    عسكرياً. وكان الصنوبر خنجر.
    ولا امرأةً كنت
    كانت ذراعاك نهرين من جثثٍ وسنابل
    وكان جبينك بيد ر
    وعيناك نار القبائل
    وكنت أنا من مواليد عام الخروج
    ونسل السلاسل.
    يحمل الحلم سيفاً، ويقتل شاعره حين يبلغه -
    هكذا أخبرتني المدينة حين غفوت على ركبتيها
    لم أكن غائباً
    لم أكن حاضراً
    كنت مختفياً بالقصيدة،
    إذا انفجرت من دمائي قصيدة
    تصير المدينة ورداً،
    كنت أمتشق الحلم من ضلعها
    وأحارب نفسي
    كنت أعلى يأسي
    على صدرها، فتصير امرأة
    كنت أعلن حبي
    على صدرها، فتصير مدينة
    كنت أعلن أنّ رحيلي قريب
    وأنّ الرياح وأنّ الشعوب
    تتعاطى جراحي حبوباً لمنع الحروب.
    بين حلمي وبين اسمه
    كان موتي بطيئاً
    باسمها أتراجع عن حلمها. ووصلت
    وكان الخريف قريباً من العشب.
    ضاع اسمها بيننا... فالتقينا.
    لم أسجّل تفاصيل هذا اللقاء السريع
    أحاول شرح القصيدة
    لأغلق دائرة الجرح والزنبقة
    وأفتح جسر العلاقة بين الولادة والمشنقة
    أحاول شرح القصيدة
    لأفهم ذاك اللقاء السريع
    أحاول
    أحاول... أحاول!
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 09/01/2010

    موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين - صفحة 2 Empty رد: موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين

    مُساهمة  Admin الثلاثاء يناير 12, 2010 11:08 am

    الشاعر معين بسيسو



    نبذة

    ولد معين بسيسو في مدينة غزة بفلسطين عام 1926 ، أنهى علومه الابتدائية والثانوية في كلية غزة عام 1948 .
    بدأ النشر في مجلة " الحرية " اليافاوية ونشر فيها أول قصائده عام 1946 ، التحق سنة 1948 بالجامعة الأمريكية في القاهرة ، وتخرج عام 1952 من قسم الصحافة وكان موضوع رسالته " الكلمة المنطوقة و المسموعة في برامج إذاعة الشرق الأدنى " وتدور حول الحدود الفاصلة بين المذياع والتلفزيون من جهة والكلمة المطبوعة في الصحيفة من جهة أخرى .
    انخرط في العمل الوطني والديمقراطي مبكرا، وعمل في الصحافة والتدريس .
    وفي 27 كانون الثاني ( يناير ) 1952 نشر ديوانه الأول ( المعركة ) .
    سجن في المعتقلات المصرية بين فترتين الأولى من 1955 إلى 1957 والثانية من 1959 إلى 1963 .
    أغنى المكتبة الشعرية الفلسطينية والعربية بأعماله التالية :

    أعماله الشعرية :

    المسافر (1952م).

    المعركة (دار الفن الحديث، القاهرة، 1952م).

    الأردن على الصليب (دار الفكر العربي، القاهرة، 1958م).

    قصائد مصريّة / بالاشتراك (دار الآداب، بيروت، 1960م).

    فلسطين في القلب (دار الآداب، بيروت، 1960م).

    مارد من السنابل (دار الكاتب العربي ، القاهرة، 1967م).

    الأشجار تموت واقفة / شعر (دار الآداب، بيروت، 1964م).

    كرّاسة فلسطين (دار العودة، بيروت، 1966م).

    قصائد على زجاج النوافذ (1970م).

    جئت لأدعوك باسمك (وزارة الإعلام، بغداد، 1971م

    الآن خذي جسدي كيساً من رمل (فلسطين، بيروت، 1976م).

    القصيدة / قصيدة طويلة (دار ابن رشد، تونس، 1983م).

    الأعمال الشعرية الكاملة / مجلد واحد (دار العودة، بيروت، 1979م).

    آخر القراصنة من العصافير.

    حينما تُمطر الأحجار.

    أعماله المسرحية :

    مأساة جيفارا (دار الهلال، القاهرة، 1969م).

    ثورة الزنج (1970م).

    شمشون ودليلة (1970م).

    الأعمال المسرحية (دار العودة، بيروت، 1979م) يشمل :
    - مأساة جيفارا.
    - ثورة الزنج.
    - الصخرة.
    - العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع.
    - محاكمة كتاب كليلة ودمنة.

    أعماله النثرية:

    نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة (القاهرة، 1970م).

    باجس أبو عطوان / قصة (فلسطين الثورة، بيروت، 1974م).

    دفاعاً عن البطل (دار العودة، بيروت، 1975م).

    البلدوزر / مقالات (مؤسسة الدراسات، 1975م).

    دفاتر فلسطينية / مذكرات (بيروت، 1978م).

    كتاب الأرض / رحلات (دار العودة، بيروت، 1979م).

    أدب القفز بالمظلات (القاهرة، 1982م).

    الاتحاد السوفيتي لي (موسكو، 1983م).

    88 يوماً خلف متاريس بيروت (بيروت، 1985).

    عودة الطائر / قصة.

    وطن في القلب / شعر مترجم إلى الروسية - مختارات موسكو.

    يوميات غزة (القاهرة).

    و شارك في تحرير جريدة المعركة التي كانت تصدر في بيروت زمن الحصار مع مجموعة كبيرة من الشعراء و الكتاب العرب .
    ترجم أدبه إلى اللغات الانجليزية والفرنسية والألمانية والروسية ، ولغات الجمهوريات السوفيتية أذربيجان ، أوزباكستان و الإيطالية و الإسبانية و اليابانية و الفيتنامية و الفارسية .
    حائز على جائزة اللوتس العالمية وكان نائب رئيس تحرير مجلة " اللوتس " التي يصدرها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا .
    حائز على أعلى وسام فلسطيني ( درع الثورة ) .
    كان مسؤولاً للشؤون الثقافية في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين .
    كان عضو المجلس الوطني الفلسطيني .
    استشهد أثناء أداء واجبه الوطني وذلك إثر نوبة قلبية حادة آلمة في لندن يوم 23 / 1 /1984 .

    ******************************



    مقال بقلم رشاد أبو شاور

    عام 1984، رحل الشاعر الكبير معين بسيسو في العاصمة البريطانية (لندن)، ولم تكتشف وفاته إلاّ بعد 14 ساعة لأنه كان يعلّق علي باب غرفته بالفندق الذي نزل فيه عبارة: الرجاء عدم الإزعاج.
    رحل معين بسيسو شّاباً في السابعة والخمسين، فهو ولد في (غزّة) بتاريخ 10 تشرين الأوّل (أكتوبر) 1927.
    كان يريد أن ينام، أن يرتاح، ولكن قلبه الذي أجهد نبض نبضات سريعة، ربّما احتجاجاً علي إرهاق الشاعر له، فمدّ معين يده إلي الهاتف يريد طلب المساعدة، ولكن الوقت كان قد فات...
    عندما فتح باب الغرفة، وجد الشاعر نائماً، ويده ممدودة إلي الهاتف في مشهد جامد.
    مفارقة هذه، أن يموت شاعر فلسطيني في (لندن) عاصمة السياسة التي كانت أس المصائب، وأصل النكبة والخراب في فلسطين، وأن لا يحظي بالراحة، ولا يصل نداء استغاثته بطلب العون، ثمّ ينقل جثمانه ليدفن في القاهرة، محروماً من دخول غزّة ، حتى بعد أن مات، وهذا ما يدّل علي مدى حقد عدونا على الشعر والشعراء.
    كأنما هذه حكاية الشعب الفلسطيني، مع فارق أن شعبنا حي، وأنه يمضي علي طريقه، وأنه يتقوّي بصوت الشاعر، وبالشعر، حداءً لأمل سيتحقق. معين بسيسو، الفلسطيني، الغزّي، المدفون في ثري مصر الطهور، بين من أحبهم، لم تسمح سلطات الاحتلال الصهيوني لجثمانه بالدخول ليدفن هناك في تراب غزة الذي درجت عليه أقدامه، والشاهد الأول لتفجّر موهبته الشعرية.
    حدث في زمن بعيد، أن أخرج أبي يده من تحت عباءته ومدّها وقد طوت كتاباً رقيقاً غير مدرسي، وقال لي محتفياً:
    ـ هذا شعر لمعين بسيسو.
    ثمّ طلب منّي أن أقرأ، فقرأت...
    كان الأب الأمّي فخوراً برفيقه، رغم أنه لا يعرفه، وكان يريد لابنه أن يحفظ هذا الشعر، وأن يصونه في ذاكرته، فهذا الشعر يصل كالمنشورات السريّة، وهو بذور لا بدّ لها من تربة لتخصب فيها، وتربة الشعر هي النفوس، والعقول...
    كبرت، وعرفت من هو هذا الشاعر، وصرت أقرأ شعره دون حّث من الأب، ولكن بحافز منّي، فشعر معين بسيسو يشّد العزيمة، ويقوّي المعنويات، وهو قريب إلي روحي.
    ردد أبي وقد حفظ لفرط ما تلوت علي مسمعه:
    من لم تودّع بنيها بابتسامتها
    إلي الزنازين لم تحبل ولم تلد
    وحفظ عن ظهر قلب:
    أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
    واحمل سلاحي لا يخفك دمي يسيل من السلاح
    وكان يدخل السجن، ويخرج، وفي يقينه أنه ينبغي أن يكون إبناً لائقاً، شجاعاً ومفتدياً، ومضحيّاً، لتباهي أمّه به، وليعش هو في أفئدة الجماهير مكرّماً، تماماً كما يقول شعر رفيقه معين بسيسو. هذا شعر يشجّع، يغذّي الروح بالإيمان، يدحر الشعور بالعزلة بعيداً عن ضمير المناضل المضحّي، الذي يتعرّض لكّل ما يتسبب له بالأذي، والإحباط.
    صوتان وصلانا من غزّة: صوته وصوت هارون هاشم رشيد، وبشعرهما عشنا مع (غزّة) المأساة والمعجزة.
    شعرهما انتشر موحّداً مشاعر الفلسطينيين، ومنشئاً صلة وصل بينهم، إن في منافيهم البعيدة، أو في مخيّمات اللجوء في الضفّة الفلسطينيّة، وسوريّة، ولبنان.
    صورة معين بسيسو وصلت إلينا كما يليق بالشاعر، فهو يتقدّم المظاهرات، بقميص مفكوك الأزرار عن الصدر، مشرع للاستشهاد، هاتفاً بشعره، رافضاً مع شعبه التوطين في سيناء، فلا بديل عن فلسطين.
    تلك كانت صورة الشاعر، الذي ينتسب إلي سلالة شعراء، حملوا دمهم علي راحاتهم، ومضوا في مقدمّة الصفوف، بكامل عدّتهم: الموهبة الشعرية، الالتزام، حمل المبادئ، الجاهزية للتضحيّة، بمصداقية القول المقترن بالفعل. إن دور شعرائنا التنويري، التثويري، قد دشّن منذ بداية الصراع والاشتباك مع الحركة الصهيونيّة، والاستعمار البريطاني، والمؤامرات المحليّة المتصاعدة علي عروبة فلسطين، وها هم شعراؤنا أحياء يرزقون بيننا: إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود، عبد الكريم الكرمي (أبو سلمي)، مطلق عبد الخالق، حسن البحيري، نوح إبراهيم الشاعر الشعبي، محمد العدناني، كمال ناصر، فدوي طوقان، علي فودة، فوّاز عيد... ومن بعد، حين وقعت النكبة، وهيمن اليأس، والشعور بالعجز، ارتفعت أصوات شعرائنا، حاضة علي الصبر، والتشبّث بفلسطين، والاعتماد علي النفس، وفاضحة الخيانة وأسباب الهزيمة والكارثة، ومحرّضة علي مواصلة المعركة.
    قد يقال بأن هذا الشعر فيه مباشرة، وتحريض آني، والحق أن تلك المباشرة حملتها مواهب أصيلة ذكيّة، عرفت كيف تغوص في عمق الحدث، وتستخرج منه قيماً إنسانيّة جوهرية لا تموت مع الزمن.
    ما كان صدفة أن عنوان أحد بواكير أعمال معين بسيسو هو (المعركة)، فشعراء فلسطين قديماً وحديثاً يعيشون في المعركة، وفي نيرانها يكتبون، وهم يكتبون عن الوطن، والشهادة، والبطولة، والتضحية، والحب، والمنفي، والعودة التي ستتحقق، وهم يتأملون في مصائر البشر، والحياة، والكون، فهم لا يغلقون علي أنفسهم، وما هو بغريب أن الفلسطينيين كانوا في مقدمة من ترجم عن الغرب روائع أدبية، وفلسفيّة ...
    معين بسيسو شاعر معركة، واشتباك، يحيا، ويتألّق، ويجوهر في الميدان، بين الناس في أتون المعركة... من عرفه في غزّة رآه شاعراً ومناضلاً في الميدان، يتقدّم جموع الفلسطينيين الرافضين للتوطين في صحراء سيناء، والمطالبين بالتسلّح للتصدّي لاعتداءات المحتلين الصهاينة، وكانت آنذاك قد ازدادت علي قطاع غزّة.
    كان معين بسيسو يباهي بأن أهل غزّة أفشلوا مشروع التوطين، وكانوا السبب في صفقة الأسلحة التشيكيّة التي أبرمتها مصر الناصرية، ليتمكن جيشها من الرّد علي الاعتداءات، وتدشين حقبة العلاقة مع الاتحاد السوفييتي، أي أن هذا التحوّل الاستراتيجي كان فيه دور بارز لفلسطينيي غزة الأباة العنيدين المكافحين.
    من عرفوا معين بسيسو آنذاك، رأوه وهو يشرّع صدره للبنادق، هاتفاً باسم فلسطين، معلياً من شأن البطولة والتضحية. هنا كان صوت عبد الرحيم محمود يتجاوب، يتناسخ، يتواصل في حنجرة معين وكلماته...
    إنه صوت معين بسيسو الذي تحدي قوات العدوان الثلاثي عام 56:
    قد أقبلوا فلا مساومة
    المجد للمقاومة
    لم يكن هذا مجرّد شعار، لقد كان قرار حياة، فيه تتجاوب روح عبد الرحيم محمود:
    فإمّا حياة تسّر الصديق وإمّا ممات يغيظ العدا يستمّد شعر (معين) قيمته من أنه يكتنز معني الحياة، كرامتها، قيمتها، في كلمات قليلة، يقولها شاعر أصيل الموهبة، عميق الثقافة، صاحب مباديء.
    من غزة انتشر صوت معين بسيسو في بلاد العرب، فالتقطه الفلسطينيون، وأنشدوه، وعمموه، وتبنّوه. معين ابن الشعب، وصوت الضحايا، كما وصفه شاعر مصري شعبي:
    يا معين يا صوت الضحايا
    معين هذا تعرّض للسجن، للمنافي، للمطاردة، في عدّة أقطار عربيّة، وحافظ علي صلابته الروحيّة، وتقوّي بالشعر علي المصائب والصعاب. كل من تعرّف بمعين، لمس فيه روح ابن البلد، الطيّب، العفوي، البسيط، الشعبي، القريب إلي القلب، والذي تبلغ فيه حدود البساطة مدي يسهّل علي المخادعين أن يستغلّوا كل هذه المناقب.
    معين بسيسو وفي، وأنا رأيته مراراً يزور مخيّم (اليرموك) قرب دمشق العاصمة السوريّة، ليلتقي برفاقه (الشيوعيين) الغزازوة الذين أقام كثير منهم في المخيم، وكان يعني بهم وبأسرهم بصمت وتواضع ووفاء نادر. هذا الشاعر إبن الشعب، صوت الضحايا، ما في جيبه ليس له، سعادته أن يسمع كلمة طيبة وكفي. في المعركة يجوهر معين، ولذا امتلأ حماسة أثناء معركة (تل الزعتر). كان يكتب ليل نهار، يرسل صوته إلي المحاصرين بين أنياب الانعزاليين الوحوش، يحمل مسدساً ويمشي في الشارع، فهو في (المعركة) وهو يقول الشعر، يندفع في الشوارع ممتلئ الصدر صهيلاً.
    كان يصيح من جذور قلبه:
    الآن، خذي جسدي كيساً من رمل
    الشعر عند معين هو دعم لوجستي، كالذخيرة، كالتموين، به يصمد المحاربون، فالروح بحاجة للغذاء، والشعر غذاء الروح، به تتقوّي وتنتصر...
    عام 82 كان يشارك في مؤتمر أدبي في (طشقند)، وعندما سمع ببدء العدوان علي الثورة الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانيّة، بادر بالعودة سريعاً إلي (بيروت) مخترقاً الحصار، ليكون مع الفلسطينيين واللبنانيين في المعركة، إذ لا يعقل أن تكون معركة، ويكون معين بعيداً يتفرّج. منذ لحظة وصوله انخرط (معين) في المعركة شعراً، ونثراً، وبدأ يكتب زاويته (متاريس) حاضّاً علي الاستبسال:
    ولدي محمّد: في ظلي الدامي تمدد
    أو فوق ركبة أمك العطشي تمدد
    وإذا عطشت وجعت فاصعد
    هي الكلمة الشجاعة في وجه الظلم والجور والطغاة ، وقد قالها معين صادقةً، ودفع الثمن مراراً ولم يركع. ولأنه شاعر مقاومة، ولأننا في بيروت قررنا أن نقاوم مع البنادق بالكلمات، فقد أسسنا صحيفة (المعركة) اليوميّة، واقترح بعضهم أن نضع ترويسة علي صفحتها الأولي مقطعاً من قصيدة شاعر المقاومة الفرنسي (أراغون):
    اللعنة علي العدو المحتل
    ليدو الرصاص دائماً تحت نوافذه
    وليمزّق قلبه الرعب
    ولكننا ثبّتنا منذ العدد الخامس مقطعاً من قصيدة معين:
    اقبلوا فلا مساومة،
    المجد للمقاومة...
    في (المعركة) التقي الكتّاب والشعراء من كل الأقطار العربيّة : فلسطين، الأردن، مصر، لبنان، سوريّة، العراق، وقاوموا بكلماتهم، وبعضهم شارك في إذاعة (صوت الثورة الفلسطينيّة)، وكانت تلك أيّاماً مجيدة لتلاحم الكلمة والبندقيّة، تعبيراً عن صمود الناس، والتصدّي للإعلام الصهيوني والكتائبي الانعزالي، وحربهما النفسيّة.
    معين بسيسو كمبدع يتمتّع بموهبة فذّة، وثقافة إنسانيّة فسيحة، وهو لا يكتفي بالتعبير عن رؤيته بالشعر، فقد كتب للمسرح، وقدّمت مسرحياته في القاهرة، ودمشق، وبعض الأقطار العربيّة.
    نثره يعتمد الجمل القصيرة المتوترة، وإذ تقرأه تحسب أن الشاعر يكتب وهو يركض في الشوارع، والأزقّة، والحواري، وفي القطارات، وعلي سطح سفينة تضربها أمواج عاتية، فهو يكتب ويركض من جهة إلي جهة، للتواري عن عيون مطارديه، لا خوفاً ولكن ليكتب ويوّزع ما يكتبه كالمنشورات السريّة، حريصاً علي تأدية دوره علي أتّم وجه للمساهمة في إنقاذ السفينة، وبلوغها شاطئ الحريّة والأمان.
    المرحلة المصرية في حياته صبغت شعره، وذوقه، ومزاجه، فهو ترعرع ونما في أحضان الحركة الثقافية في مصر، وارتبط بصداقات هي الأعمق في حياته، وبخّاصة مع عبد الرحمن الخميسي، الشاعر، والقّاص، والفنان، والممثل، والمخرج السينمائي.
    ودائماً تكلّم بحب عن الخميسي، وهو الذي استضافه مراراً في (بيروت) وقدّمه، وعمل علي إعادة طباعة أعماله الشعرية.
    ثمّة ما هو مرح، وفكه بينهما، وفي حياتهما، فالمقالب لا تنتهي بينهما، معين كان مصري المزاج، والذوق، وهو ما نلحظه في شعره، ومسرحه الشعري، وأسلوب حياته.
    إنه معين، إبن البلد، صوت الضحايا...
    في الملعب البلدي، يوم 21 آب (أغسطس)، تعانقت ومعين، وبكينا واحدنا علي كتف الآخر، فقد ازدادت علاقتنا حميمية أثناء معركة بيروت، وهو ما أشار له في كتابه (88 يوماً خلف المتاريس).
    معين بسيسو كان مؤمنا بطليعيّة الاتحاد السوفييتي، وبدوره القيادي علي الصعيد العالمي، في مواجهة الإمبرياليّة الأمريكيّة.
    كان زائراً دائماً لموسكو ـ بل صاحب بيت ـ التي له فيها رفاق، من الشعراء، والمبدعين الروس (سوفرونوف) الشاعر الروسي، ومن شعوب الاتحاد السوفييتي، ومن بلدان العالم الثالث (فايز أحمد فايز) الشاعر الباكستاني المنفي عن بلده. كان معين محترماً ومحبوباً جداً في (موسكو)، وأذكر أنه عندما زار موسكو بعد معركة بيروت كان الإعلان عنه في نشرة الأخبار الرئيسة مع تقديم ريبورتاج جوانب حياته الأدبيّة والنضاليّة.
    كتب معين (الاتحاد السوفييتي لي)، وهو كان وفيّاً للاتحاد السوفييتي، والكتاب عن رحلاته في جمهوريات الاتحاد السوفييتي الأوروبيّة والآسيويّة.
    في البرافدا كتبوا عن معين، وترجم لنا الدكتور شوقي العمري، وهو شاعر غزّي من تلاميذ ومريدي معين، درس في موسكو وأتقن الروسية كأفضل الناطقين بها، وأكّد لنا بالفم الملآن أن جائزة لينين ستكون من نصيب معين... التقيته في موسكو بعد خروجنا من بيروت، في عام 83، وهناك احتفي بي كثيراً، وكانت روايتي (البكاء علي صدر الحبيب) قد ترجمت مع بعض قصصي القصيرة، فبقيت في موسكو قرابة الشهر ، ولست أنسي اهتمام معين بي.
    القصيدة :
    في المجلس الوطني الفلسطيني بعد الخروج من بيروت، عام 83، قرأ معين قصيدة كانت قد كتبت على عجل، ولقد رأيت أنها أقّل من قيمته الشعرية، فعتبت عليه جداً.
    من الجزائر توجهنا إلي تونس، وذات يوم تلفن له (زياد عبد الفتاح) رئيس وكالة (وفا)، وأخبره بوجودي، فطلب أن يحكي معي، وبطريقته الشعبية اللطيفة طلب مني أن أزوره مع زياد، فقلت له :
    ـ شريطة أن تبدي استعداداً لسماع ما سأقوله لك، لأنه جدّي وخطير، فهل تقبل ؟
    صمت علي الهاتف، ثمّ جاءني صوته:
    ـ تعال...
    أعدت عليه ما قلت، فألّح علي حضوري، وقد لمس جديّة في صوتي، وعرف أنني لا أمزح.
    رحنا إلي نزل (أبو نواس) ، وكان يقيم في غرفة وصالة علي التلة المجاورة، وما أن دخلنا حتى بادرني مستفسراً :
    ـ ماذا تريد أن تقول ؟!
    جلست، وسألته بلهجة هجومية لم يتوقعها :
    ـ هل ما قرأته في المجلس الوطني شعر يا (أبو توفيق)؟!
    سألني بانزعاج:
    ـ وما هو الشعر برأيك ؟
    فأخذت اقرأ له ما أحفظ من شعره، ولعله دهش لما أحفظ، ولما أختار، وختمت بقصيدته المهداة إلي شهيد معركة جبل (صنين) جورج عسل :
    استشهد الماء ولم يزل يقاتل الندى
    استشهد الصوت ولم يزل يقاتل الصدى
    وأنت بين الماء والندى
    وأنت بين الصوت والصدى
    فراشة تطير حتى آخر المدى
    مدّ يده، وتناول كومة أوراق، وأخذ يقرأ، وأنا لا أستقبل أبداً، فاستنتج أنني لم أعجب بما سمعت، فقال بلهجته المحببة:
    ـ طيّب : اسمع...
    وأخذ يقرأ مقاطع من قصيدته (القصيدة) ، آخر قصائده، قصيدة الوداع.
    صفّقت له واقفاً، وأنا أردد :
    ـ هذا شعر، أي والله هذا شعر يا أبو توفيق...
    أمسية لندن :
    في عام 83 أقيم أسبوع ثقافي فلسطيني في العاصمة البريطانية (لندن)، وكان معين يشارك مع شعراء فلسطينيين آخرين. جاء إلي الأمسية متأنقاً، وكما هو شأنه فشعره ينفر كما لو أنه عرف حصان. جلس بجواري، وكنت أجلس أنا وصديقي ياسين رفاعية وزوجته الشاعرة أمل جرّاح.
    قلت له:
    ـ الليلة ستكون ليلتك، صدّقني...
    استفسر :
    ـ بجد ؟
    ـ نعم يا (أبو توفيق). الليلة ستكون ليلتك، ليلة (القصيدة)، الليلة ستتألّق، وتنال ما تستّحق من ثناء.
    وهذا ما كان. صعد معين، وفي القاعة كان شعراء، سياسيون، فنّانون عالميون، تتقدمهم صديقة الشعب الفلسطيني، الفنّانة البريطانية العالمية (فانيسيا ردغريف)، والصحافي البريطاني الكبير (مايكل آدمز) ، ومئات من حركات التحرر العالمية. استحوذ معين علي الجو، شعراً وإلقاءً، وصفّق له الجمهور واقفاً، صفّق للقصيدة:
    مطر علي الشبّاك
    في لون البنفسج والخزامي
    مطر علي المرآة
    في لون الدوالي والندامي
    مطر علي البحر المسيّج
    زبد وعوسج
    موج يعبئ بالنوارس
    لي المسدس
    كانت تلك ليلة (معينيّة) حقاً، أفرحت معين.
    في تونس، في المؤتمر العام لاتحاد العمّال الفلسطينيين تكررت تلك الأمسية، حيث قرأ معين (القصيدة).
    بعدئذ لم ألتق بمعين، وجاء الخبر الفاجع: رحل معين بسيسو!
    لم تسمح سلطات الاحتلال لجسد معين أن يدفن في غزّة، فدفن في مقبرة آل بسيسو في القاهرة...
    الاحتلال يخاف أجساد الشعراء، لأن الشعراء أمثال معين بسيسو لن يصمتوا بعد الموت، فهم أحياء بشعرهم الذي تتناقله الأفواه، وتردده الحناجر، وتختزنه الذاكرة الجمعية لشعبهم، وأمّتهم.
    الاحتلال يكره الشعر والشعراء، لأن أجساد الشعراء الراحلين ستتحوّل إلي مزارات تتجدد عندها نداءات الحريّة والمقاومة...
    من وقّعوا علي اتفاق (أوسلو) لم يتفطنوا إلي بند ينص علي عودة جثامين المبدعين الفلسطينيين، علي الأقل الذين من مدن وقري الضفّة والقطاع... من العجيب أننا كلّما انتقدنا مسيرة الخراب الاستسلاميّة فلا نسمع سوي : تعالوا ناضلوا معنا!
    طيّب، أيها المناضلون: لماذا (نسيتم) أن تصطحبوا معكم في (عودتكم) المظفّرة جثامين : كمال ناصر (بير زيت)، وحنّا مقبل (الطيبة)، وعلي فودة (علاّر)، ومعين بسيسو (غزّة)، وجبرا إبراهيم جبرا (بيت لحم)، وائل زعيتر (نابلس) وماجد أبو شرار (دورا).
    نحن لا نريد أن نحرجكم، ونطالبكم بإعادة جثامين: غسّان كنفاني، ناجي العلي، سميرة عزّام، وأحمد عمر شاهين، فهؤلاء من: عكّا، الشجرة، الناصرة، الرملة،...
    يا لهذا (السلام) الذي يحرم جثامين الشعراء، والكتّاب، والصحفيين، من حق العودة والدفن في مساقط رؤوسهم !
    شاعر الوحدة الوطنيّة :
    ظلّ معين بسيسو شيوعيّاً حتى رحيله، ولكنه لم يكن متعصّباً، فهو كتب شعراً جميلاً في جمال عبد الناصر، رغم أنه سجن في مصر مع مئات الشيوعيين... وهو رغم أنه علي النقيض مع (الإخوان المسلمين) ، سار هو وشيوعيو غزّة، والقوميون، كتفاً لكتف، معاً، يتقدمون الجماهير، رافضين التوطين، مطالبين بالسلاح للمقاومة.
    في مذكراته (دفاتر فلسطينيّة) يسرد معين ملامح تلك المرحلة في منتصف الخمسينات، ويقدّم رموز (الإخوان المسلمين) بكّل الاحترام، والإنصاف، رغم الخلاف الفكري، معتزاً بروح الوحدة الوطنيّة.
    لقد حافظ شاعرنا الكبير علي صلاته الحميمة مع كل مناضلي تلك المرحلة حتى أيّامه الأخيرة...
    اليوم، ونحن نستعيد ذكراه، ونقرأ شعره، ونحن نري ما يحدث في وطننا فلسطين بكّل فخر ـ ما جاءت به الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة ـ نجدنا مدعوين لصيانة روح الوحدة الوطنيّة التي ميّزت معين، ومنحته إضافة لقيمته الشعرية احتراماً وطنياً، ودوراً قياديّاً.(...)
    هذا هو الشعر، وهذا هو دوره :
    في آخر مقابلة أجراها معه تلفزيون الإمارات العربية ـ المذيع أحمد زين العابدين ـ قال معين: الدور الذي يجب أن ينهض به الشعر العربي الآن هو أن يقف مع الإنسان العربي، يقف مع الأمة العربيّة، يقف مع كل صديق لهذه الأمة، في سبيل نهوضها، وفي هذه المرحلة علي الكلمة أن تكون صادقة، شجاعة، وصريحة...
    معين يفهم الحداثة كما يلي : أنا حينما أقرأ بعض القصائد أحس أنني أقرأ باللغة الهيروغليفية . بعض الشعراء اعتقدوا أنهم حينما يتنكّرون للتراث، للتقاليد الشعرية العظيمة يصبحون شعراء معاصرين...
    وبطريقته التهكمية يسخر ممن يدّعون أنهم يكتبون لأنفسهم : حسناً، إذا أردت أن تكتب لنفسك، أن تكتب شيئاً لا يفهمه الناس، ولا يتفاعلون معه، فاكتب علي المرآة، وانظر فتجد قصيدتك، وتري أيضاً وجهك، وهذا يكفي لتحقيق كل طموحك... معين بسيسو من أوائل من كتبوا القصيدة الحديثة، قصيدة التفعيلة، وهو مع كونه شاعراً جماهيريّاً لا يغيب عن باله سؤال الشعر العظيم.
    قرأت مرّة للناقد السوري الصديق الراحل محيي الدين صبحي أن شعر معين ينطبق عليه مصطلح الشعر الخشن الذي ورد في كتاب (الشعر) لأرسطو، وهذا ما جعل الكتابة عنه صعبة رغم سهولة وبساطة هذا الشعر...
    من جهتي فأنا أشارك محيي الدين صبحي هذا الرأي، فالشعر العظيم لا يحتاج لفّك الطلاسم، ورسم المثلثات، والمكعبات، وتقويله ما لم يقل...
    معين يا صوت الضحايا :
    اليوم نردد مع الشاعر المصري :
    يا معين يا صوت الضحايا
    تملّي صوتك معايا
    ومع معين ننشد :
    قد أقبلوا فلا مساومة
    المجد للمقاومة
    المجد لمقاومة الإنسان العربي في فلسطين، في العراق، في لبنان، المجد للمقاومة الإنسانيّة تتحدّي ظلم أمريكا، وعدوانيتها وحليفتها الصهيونيّة...
    المجد للشعر، للكتابة تنحاز للإنسان، للعدل، للكرامة الإنسانيّة، للحب بكّل تجليّاته...

    ******************************



    إلى طفلتي دالية

    وكمصلوب يحلم.

    الأرض النائية كنجم.

    لو يسمع وقع خطاه...

    أنا أحلم أن نمشي.

    في كفي شعلة أزهار.

    وورائي أعلام الدمية.

    تتلوى فوق الأسوار.

    مصلوبك يا وطني يحلم

    الأرض النائية كنجم

    لو يسمع وقع خطاه...

    وورائي أعلام الدمية.

    أمراس جليد.

    تتلوى فوق الأسوار.

    ألف شتاء قد مر وما زال

    مصلوبك يا وطني يحلم

    لو تلمس قدماه،

    الأرض النائية كنجم

    لو يمشي

    لو يسمع وقع خطاه...
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 09/01/2010

    موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين - صفحة 2 Empty رد: موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين

    مُساهمة  Admin الثلاثاء يناير 12, 2010 11:09 am

    الشاعر معين شلبية



    نبذة

    ولدت في الرابع عشر من تشرين أول عام 1958 في قرية المغار الجليلية التي تطل على بحيرة طبرية وتحيطها غابة من أشجار الزيتون الخضراء. عشت طفولة معذبة شأن أطفال فلسطين بعد نكبة شعبنا؛ تأثرت بحالات المعاناة التي عشناها حتى رافقتني إلى يومنا هذا، وكانت كافية لأن تجعلني أسيرها ومحكوما بها إلى الأبد.

    أنهيت دراستي الابتدائية في قريتي المغار عام 1972 والثانوية في قرية الرامة عام 1976.

    خلال دراستي الثانوية أصابتني أعراض الشعر الحقيقية وبدأت أتعرف على الثقافات واطلع على شعرها؛ ثم بدأت بنشر قصائدي في المنشورات الوطنية، الصحف الفلسطينية والعربية واختار قراءاتي من الإغريق مرورًا بالمتنبي حتى محمود درويش.

    التحقت بقسم اللغة العربية والإدارة العامة في جامعة حيفا حيث بدأت مرحلة جديدة من الحياة حيث مارست النشاط السياسي، الثقافي، الاجتماعي، والنقابي إلى يومنا هذا.

    شاركت في أمسيات ومهرجانات ثقافية، شعرية، محلية، عربية وعالمية عديدة..خاصة في مصر والأردن وحزت على شهادات تقدير عديدة وأخيرًا على درع تكريم شعراء ومبدعي فلسطين.

    عضو في اتحاد الكتاب العرب وأحد مؤسّسي جمعية إبن رشد للثقافة والفنون.

    تناولت نتاجي الأدبي عدة دراسات نقدية داخل البلاد وخارجها.

    عملتُ بكد وجهد على تحقيق التطلعات الوطنية لشعبنا من خلال المواقع الوطنية العديدة؛ وأعتبر أن حياتي ليست سوى وميض في خوالد المكان والزمان، ولكنها دائمة الصراخ، دائمة السفر، دائمة التخيّل.

    الكتابة، سفر تكويني الخاص، تسوية أخلاقية بين تجربتي الإنسانية وبين هاجس البحث عن سؤال الحرية، الحقيقة والعدالة في جو استثنائي شخصي وذاتي يبدأ من الصرخة الأولى ويمتد نحو التصاعد الغامض المتوتر والقلق الذي لا يتوقف على حال من اجل بناء تجانس كينوني بين الجماعي والفردي، بين الأنا والآخر، بين العشق والمرأة، بين الأرض والوطن.

    ولكن يبقى سؤال الكتابة مبحراً في الأزرق كما يبدو، معاناة لا شفاء منها، دهشة مشبعة بالوعي والهوس، تحك المخيلة، تداعب اللاواعي كي تصل إلى اللذة التي لا أحب الوصول إليها في هذا العالم الغائب، الضيق والسحيق.

    وهكذا، ولدت من رحم المعاناة حاملاً جواز سفر في عالم الفن والجمال، أحك الفضاء الواسع المسكون بالإبداع والظمأ، أعانق رجالا في الشمس، باحثا عن أوراق الزيتون في هذا الزمن الخريفي، راسما جدارية الحياة والموت حاملا سؤال الحرية والحقيقة في عالم مختل، مدهش وغريب.

    كنت ابحث عن الحلم الأول، عن الألم الأول مشعلا الحرائق في كل مكان، محترفا الحزن والانتظار، تائها في سبر غور حالة القدرة على معرفة نفسي وموسيقى الكون.

    كنت ابحث عن الوعي الأول المثير، المغامر العنيد والمشتعل بنار العشق، طارحا السؤال الثقيل: سؤال الحياة والموت.

    في تلك الحالة الاستثنائية، الإنسانية الشاملة في جوهرها المتألق، المتوتر، الحائر والمأزوم، كنت اسأل لأعود مع اقرب عاصفة كي أخترق جدار الذاكرة، وكلما داهمتني هذه الحالة كنت استعيد توازني في عالم لا يرحم. كنت استرخي في غيبوبة الوجع، هناك، على شاطئ البحر، اتألم زرقته وأتمنى الخلاص حتى تفيض الروح دهشة، تمردا ورؤىً.

    هذا الرحيل المستمر، تعبيري عن التجربة الحياتية على حقيقتها؛ يتداخل صراخي في غمار الأحزان، تتشابك الصور المضطربة، يتسع الهامش.. وتمضي غيمة.

    وهكذا استمر هذا الحضور اللامتناهي حتى يومنا هذا.

    لقد أصبت بخيبات أمل عديدة منذ طفولتي الأولى؛ أخذتني حالات الخوف والقلق في غمرة الدفاع عن دفاعي الذي تجلّى إمامي كلمح الوطن. قاومت بشتى أشكال التعبير الإنساني الظواهر السلبية وعبّرت عن انفعالي بتطويعه الطوعي لذاك الصوت الذي يسكن شقوق السؤال.. ولكن هيهات يشبعني هاجس يسكن الأفق.

    سكنت غابات عينيها، سكنت الضلوع، وقلت:

    الحب دائماً...

    واستمر قلبي يرفع صرخات الاحتجاج وهو ينادي:

    القلب لا يتحمل زمنين رديئين. التفت فلم أجد إلا ظلي... وسقطت جميع الأقنعة.أنا ألان وحدي أقاسي عذاب النص، أعانق بشغف ورغبة حرارة المرأة التي ما زالت النيران تشتعل في ثيابها، وتعود كما تعود الدائرة إلى نقطة البيكار، وكأن لسان حالها يهمس:

    أيها الفتى: أنت قد رأيت في غربتك مدنا كثيرة، فخبرني: أية مدينة أطيب؟

    قلت: تلك التي فيها من اختطفت قلبي!

    فدعيه يستدفئ حول بيتك، ونامي.

    الأعمال الشعرية :

    1. الموجة عودة 1989 دار الأسوار للثقافة الفلسطينية - عكا

    2. بين فراشتين 1999 المؤسسة العربية الحديثة - القدس

    3. ذاكرة الحواس 2001 المؤسسة العربية الحديثة - القدس

    4.طقوس التَّوحد 2004 دار الأسوار - عكا

    5.هجرة الأشواق العارية. 2005 دار الأسوار - عكا (تحت الطبع).

    الأعمال النثرية :

    1. تأملات 1992 النهضة للنشر والتوزيع - حيفا

    2. مساء ضيّق 1995 أبو رحمون للنشر - عكا

    3. شطحات 1998 منشورات البطوف - حيفا





    *********************************



    الموجة عودة

    ولماذا أسامح يا أصحاب ؟

    هل أحد منكم يحمل أمتعة الصبح مكاني

    هل من يقرأ في حزني النكبة

    ويشارك في موت الليل مقاساة العتمة

    ويمزق شريانا في أحشاء زماني

    كانت في قلبي تتفتح زهرة

    كانت في روحي زنبقة مرة

    مر العمر ويا ليته... ما مرّ.

    كانت في قلبي تتفتح طفلة

    تتململ في رحم الأحزان.. تعاني

    كانت في روحي أنثى

    ترسم أجنحة الشمس وأعقاب البسمة

    لكن سهاما من قوس أحبائي

    بعثت في عز الصبح إلى روحي ... فأصابت !

    ماذا أفعل يا أصحاب ؟

    هل يوجد من يحمل منكم أتعاب الأمة

    هل أحد منكم يقرأ أسفار البحر

    ويرشف من قاع الكأس بقايا الجمرة ؟

    وتقول الطفلة:

    ماذا أفعل كي تجعلني حبلى!؟

    ماذا أكتب يا أغراب؟

    هل يوجد من يفهم فيكم ما قد أكتب؟

    قد أكتب عنكم كل خطاياكم

    وأعانق فيكم في عز الظهر عذابي

    لتكون الثورة

    لتكون الثورة

    لتكون الثورة..

    ماذا أعمل يا عشاق؟

    هل أحد منكم يعرف طعم الجرح المالح

    في صدر القبلة؟

    هل أحد منكم يعرف كيف يكون الحب

    على جسر العودة؟

    هل أحد منكم يعرف كيف تغيب الروح

    على خصر الخيمة؟

    هل أحد منكم يعرف كيف يجوع القلب

    وتنتحر الشهوة...؟!

    ماذا أفعل يا أحباب؟

    سراب هذا ... هذا سراب

    واصل شهوتك المائية

    واصل أحلام الزوجة

    فغدا ستعانق تلك الموجة

    الموجة عودة

    الموجة عودة

    الموجة عودة.
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 09/01/2010

    موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين - صفحة 2 Empty رد: موسوعة الشعر العربي المعاصر - شعراء من فلسطين

    مُساهمة  Admin الثلاثاء يناير 12, 2010 11:11 am

    الشاعر هارون هاشم رشيد



    هارون رشيد: قصيدة النثر انقطاع عن التراث وخلع للجذور والهوية

    حوار: مفلح عياش

    الشاعر الفلسطيني «هارون هاشم رشيد» من مواليد حارة الزيتون في غزة هاشم عام 1927، اسم ذو حضور خاص، اقترن بفلسطين وعذاباتها، فوقف شعره تارة على رؤوس أصابعه حزناً على فلسطين وقضية شعبه وتارة أخرى ممتشقاً قلباً لا يتوقف غضباً، وظل طوال نصف قرن وفياً لاختياره مخلصاً في تعبيره بالهم الفلسطيني من خلال تجربته كانسان ابعد عن وطنه ظلما، وعاش مآسي وإحداثا تقلبت على فلسطين خلال عمره المديد.

    هارون هاشم رشيد من شعراء الخمسينيات الذين أطلق عليهم «شعراء النكبة» أو «شعراء المخيم» ويمتاز شعره بروح التمرد والثورة ويعد شاعرنا، شاعر القرار 194 كما وصفه الشاعر عزا لدين المناصرة، فهو من أكثر الشعراء الفلسطينيين استعمالاً لمفردات العودة، العائد، العائدون.. وشاءت الأقدار لهذا الشاعر أن يتعايش ويصاحب اللاجئين منذ اللحظات الأولى لهذه المأساة النكبة، فتفجر شعر هارون من هذه التجربة، وولد ديوانه الأول «مع الغرباء» عام 1954 رصد فيه معاناة فقدان الوطن،

    وتأثيرات النكبة وما خلفته، حتى ذهب بعض النقاد ومن كتبوا عنه إلى اعتباره من مدينة يافا أو من بئر السبع وهما مدينتان تم احتلالهما وتشريد أهلهما عام 1948 فقصائده تبدو وثيقة نفسية وإنسانية ترصد ألم اللجوء وحياة المشردين، وحتى اليوم مازال يستلهم قصائده من ألوان الحياة الفلسطينية، فقد اشبع دواوينه الأولى بموضوع اللاجئين والنكبة. ظل قريباً من الناس بعيداً عن النخبوية والمعارك الطاحنة بين القديم والجديد، بل ظل همه التعبير صريحاً عما يؤثر فيه، قريباً من هموم شعبه وأمته.

    اصدر هارون هاشم رشيد عشرين ديوانا شعرياً بين عامي 1954 ـ 2002 إضافة إلى عدد من المسرحيات الشعرية التي أخرجت على المسرح وطافت عدداً من البلاد العربية، وشكلت احد روافد المسرح الملتزم، وجددت تقاليد المسرح الشعري والذي لم يعنى به إلا فئة قليلة من الشعراء.

    هارون هاشم رشيد ابن الحقبة الناصرية ـ الذي يعتبر نفسه احد جنود هذه المرحلة الأوفياء حتى اللحظة ـ ومندوب فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية، والعضو الدائم في اللجنة الإعلامية العربية، كرم بعدد كبير من الأوسمة ونال الجوائز، إلا أن أهم تكريم ناله المكانة العميقة التي احتلها في وجدان وقلوب الناس ممن اتصلوا بشعره أو استمعوا إليه، فهو ليس من طلاب المجد ولا ينظر إلى تكريم أو احتفال، بل يقول كلمته ويمضي، أملا إن تصل إلى قلوب الناس وتفعل في وجدانهم.. بيان الثقافة التقاه في هذا الحوار:

    ـ بداية هل لك أن تحدثنا عن طفولتك ونشأتك والظروف التي أحاطت بهما؟

    ـ الحياة والسيرة الذاتية لكل إنسان فلسطيني متشابهة، وعندما أتحدث عن نفسي كأنني أتحدث عن إي فلسطيني، إنا لست في تفاصيل الحياة الفلسطينية استثناء وشاءت لي الأقدار أن أعيش المأساة من أولها كما فعلت شريحة واسعة من كبار السن من الفلسطينيين، فمنذ الثلاثينيات والإحداث تتوالى، والفلسطيني أيا كان عمره ومكانه ومكانته، اندمج معها، حتى أصبحت جزءاً من كيانه وتفاعلاته الحياتية اليومية،

    لقد أثرت هذه الأحداث على الصغار قبل الكبار حتى تمكنت من أن تنتزع منهم طفولتهم تماماً كما الأجيال التي تلت وعاصرت النكبة وغيرها وانتزعت منهم كل ما يحلم الأب أن يوفره لأطفاله من براءة ولعب بل وطفولة.

    واذكر في عام 36 في احد أيام رمضان أنني كنت مع مجموعة من الأطفال بالقرب من مسجد «الشمعة» نلعب في ساحة اسمها «باب الدارون» في حارة الزيتون بغزة، وقبيل أذان المغرب بقليل حيث اعتدنا على ذلك لقضاء الوقت حتى يحين موعد أذان المغرب لنذهب إلى الإفطار.. ولكن وقبل موعد الأذان مرت دورية بريطانية صغيرة بجانبنا، وفجأة ظهر خمسة ثوار، وأطلقوا النار على الدورية وحدث اشتباك بينهم وبين إفراد الدورية البريطانية أسفرت عن استشهاد اثنين من الثوار وجرح آخرين فيما تمكن الخامس من الفرار.

    وبعد وقت قصير امتلأت الساحة بالمصفحات والمجنزرات وتعزيزات كبيرة من الجنود البريطانيين، فطوقوا المنطقة، وجمعوا الرجال في مسجد الشمعة، وكان والدي وأخي الأكبر يتناولان طعام الإفطار عند شقيقتي خارج الحارة، فنمت وبقية أهلي وحدنا في تلك الليلة.

    اذكر تلك الليلة جيداً لقد أصبحت عتمتها وظلامها وطغيانها جزءاً مني واذكر كيف عانيت خلال هذه الليلة من الخوف والاضطراب.. وفي الصباح طلب منا الجنود البريطانيون مغادرة المنزل حيث قاموا بنسف عدد من البيوت المحيطة بالمنطقة، ومنذ تلك اللحظة أدركت أن هناك مخاطر تتهددني وأسرتي وشعبي، ومنها ومن فجر تلك الليلة بدأ الالتزام، وشعرت إنني خرجت فعلياً من دائرة الطفولة.

    ـ لقد عايشت النكبة، ويطلقون عليك شاعر النكبة أو «شاعر القرار 194» لكثرة حديثك عن اللاجئين ومأساتهم.. كيف اثر هذا الحدث عليك؟ ـ لا استطيع أن انسي تلك اللحظات الصعبة والمأساوية، التي يهجر فيها شعب بأكمله من دياره إلى الشتات، لقد عشت مأساة اللاجئين.. لم لا.. كنت في غزة وكنت احد المتطوعين للمساعدة في نقل وإيواء اللاجئين وكان اللاجئون يصلون في مراكب تسمى الجرو.

    واذكر كيف أن هذه المراكب لم تكن تستطيع الوصول إلى الشاطئ فكان الصيادون يذهبون إلى هذه المراكب في زوارقهم ويحضرون الأسر المهجرة الضائعة إلى الشاطئ الذي يفتقر إلى الميناء، نساء وأطفال وعجزة وشباب وفتيات مشهد جحيمي.. كنت اشعر كم نحن وحيدون.

    كنا نحمل هذه الأسر على أكتافنا إلى الشاطئ ومن ثم نرسلها إلى أماكن الإيواء في المدارس والجوامع، وبعد ذلك شاءت الأقدار أن اعمل مع لجنة لشئون اللاجئين بطلب من ابن خالتي الذي كان عضوا فيها، ومنذ تلك اللحظة بدأت عمليا وبصورة يومية أعيش مع اللاجئين كل لحظات مأساتهم.

    المعظم يشاهد صور خيام اللاجئين.. إنا رأيتها وعشتها تشربت مأساتها لقد مكثوا فترة من الزمن في الخيام حتى جاءت وكالة الغوث وتم نقل اللاجئين إلى معسكرات النصيرات والبريج والمغازي وهي في الأصل معسكرات للجيش لا تصلح للسكن.. وزاد تفهمي للهم الكبير الذي يسكن اللاجئين.

    ـ كان لك علاقات حميمة بعدد كبير من الأدباء والقادة والإعلاميين كيف أثرت هذه العلاقات على الشاعر هاشم هارون رشيد بخاصة في بدايات المشوار وأنت توصف بأنك من جيل الخمسينيات في الشعر الفلسطيني؟ ـ لم أكن أتخيل في يوم ما إنني سأصدر ديوانا شعرياً، فقبل صدور الديوان كانت لدي مجموعة من القصائد، وكنت على علاقة حميمية مع المرحوم صلاح خلف «أبو إياد» الذي كان يدرس حينها في القاهرة وكنت معجباً بأستاذه الدكتور عبدا لمنعم خفاجه ـ وهو من كبار الأدباء والكتاب ـ وخلال إحدى إجازات أبو إياد الذي يسكن في مكان قريب من بيتي في غرفة، قرأ بعض قصائدي وقال لي انه سيحملها إلى القاهرة لنشرها. فقلت له هذا ملف بالقصائد خذه معك شريطة عدم نشرها إلا إذا اطلع عليه الدكتور عبدا لمنعم خفاجه وأجاز نشره.

    وقبل ذلك كان اخذ مني قصيدة «الجولة الثانية» ونشرها في مجلة «المرابطة» وأهداها إلى رئيس رهط الجوالة حينذاك الأخ ياسر عرفات «أبو عمار» وعندما منحت وساماً عام 1990 ألقاها أبو عمار بصوته إمام الجماهير.

    نعود للحديث عن الديوان ففي القاهرة اطلع الدكتور عبدا لمنعم ـ الذي كان عضوا في «رابطة الأدب الحديث» على القصائد وأعجب بها وقال الدكتور عبدا لمنعم لأبي إياد أن هذا الشاعر كبير.

    وقرر الدكتور عبدا لمنعم طباعة ديوان «مع الغرباء» حيث صدر عن رابطة الأدب الحديث وكتبوا عليه شاعر فلسطين القومية، وقدم الدكتور عبدا لمنعم خفاجة لهذا الديوان وكتب العديد من الأدباء المعروفين حول هذا الديوان في مقدمتهم مصطفى السحرتي وعبدا لله زكريا وغيرهم.

    وتناولته صحف ومجلات وجرائد وكتبت عنه دراسات واسعة في غير مكان من الوطن العربي وتم اختيار عدد من القصائد التي غناها محمد فوزي وفيروز وكارم محمود وفايزة كامل وغيرهم.

    وأول شخص كان لي علاقة معه في بداية النكبة كان محمد عبدا للطيف عبدا لله الذي اصدر رواية «لقيطة» فقرأت الرواية وأعجبت فيها فكتبت تعليقا عليها وأرسلتها له، فرد رسالة مطولة فتحت افقا بيني وبينه حتى التقيته عام 1958 في مهرجان شعري على هامش مؤتمر لاتحاد الكتاب العرب الذي كان منعقداً في الكويت.

    وفي الكويت كان لي حضور لدرجة أن محمد مهدي الجواهري أراد رؤيتي وعندما قابلته قال لي: احتراماً لك سألقي قصيدة عن يافا.

    وقد تعرفت على عدد كبير من الشعراء وتوطدت علاقاتي معهم، وفي القاهرة دخلت المجتمعات الأدبية مبكراً، فكانت لي علاقات مع صلاح عبد الصبور ومعظم شعراء وأدباء هذا الجيل.

    ـ أنت شاعر تكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة فما هي معايير القصيدة الناجحة لديك؟ ـ الشعر هو شعر عندما يخرج كشعر فالقصيدة الناجحة هي التي تعبر عن صدق الشعور، فالصدق شرط أساسي للشعر، وبقدر ارتقاء القصيدة إلى مستوى الشعور باللحظة وتكثيفها وجدانياً بقدر ما تكون ناجحة.

    والقصيدة الناجحة يتوفر فيها أيضا موسيقى الشعر، وإذا خلت القصيدة من الموسيقى تعتبر نوعاً آخر من الكتابة.

    ـ في هذا الإطار ما رأيك بقصيدة النثر التي يذهب البعض إلى أن فيها نوعاً آخر من الموسيقى؟ ـ هذه القصيدة المزعومة هدفها الانقطاع عن التراث وخلع عباءة الانتماء وقطع الجذور وهذا مرفوض عند من يريد التمسك بهويته وأصالته، وإذا عدت إلى بدايات هذه الحركة وما كشف حول الجهات الممولة لها، فنضع عند ذلك علامات استفهام كبيرة، فكسر وإضعاف اللغة والنحو وشطب الوزن موجة مرفوضة ولا أؤمن بها بل أضع علامات استفهام كبيرة على مشروع قصيدة النثر منذ بداياته.

    ـ في قصائدك تستخدم الشعر العمودي وشعر التفعيلة، ويبدو قبولك الأخير كامتداد للشعر العربي، مطوعاً إياه للتعبير عن مرادك؟ ـ نعم، إنا لا اعد شعر التفعيلة خروجا، بل امتداد للشعر العربي ولموسيقاه الأصلية، فلم تخرج التفعيلة على شعر التراث، وإنما هي جزء منه، وحركت هذه التفعيلة الإيقاع وأعطته مدى أوسع لذلك فهي تطور مقبول ما دام جوهر الإيقاع موجوداً داخلها.

    وأنا استخدمت التفعيلة مبكراً منذ ديواني الأول «مع الغرباء» وفي عدد من القصائد والمسرح الشعري، وصدر لي ديوان كامل عام 1970 كتب مقدمته المرحوم أبو إياد فالتفعيلة أداة من الأدوات التي يستعملها الشاعر.

    وقبل فترة بسيطة كنت مدعواً للمشاركة في إحدى المهرجانات الشعرية في تونس، وكنت قد حضرت مجموعة من القصائد لألقيها في المهرجان، وبعد نزولي من الطائرة، ركبت سيارة لأتوجه إلى الفندق فتابعت من خلال المذياع ما يحدث في جنين وأصبح كل الورق والقصائد التي انتقيتها لإلقائها في المهرجان ليست ذات قيمة بالنسبة لي، فكتبت قصيدة جديدة ألقيتها وحدها في المهرجان، فدخلت على الحضور ولم أحييهم ولم اشكرهم ولم اقل لهم السلام عليكم، بل قلت:

    حزينا أجيء لكم

    فاعذروني إذا سبقتني إليكم عيوني

    بدمع سخي سخي سخين

    على من فقدتهم في جنين

    اعز الرجال اعز النساء اعز البنين

    هذا شاهد على أن شعر التفعيلة لاقى استحسان الناس، وعبر عنهم، وأنا وجدت أن شعر التفعيلة يطوع المشهد والصورة أكثر وبلائم الشعر المسرحي.

    ـ لو اتهمك البعض انك شاعر كلاسيكي والقصيدة لم تتطور عندك فكيف ترد؟ ـ أؤمن بأن الشاعر الذي يستطيع أن يعبر تعبيراً صادقاً عن لحظته بالأداة التي يستطيعها، وبإمكاني أن الغز واخفي مما يسمى بالتجديد.. وعندي أن الحداثة فيما اكتبه تتحد بوصول ما أريده إلى الآخرين، وما دام يروقهم فهو شعر حديث.

    والأمر الآخر أننا كشعراء فلسطين نركن جانباً الإيغال في الرمزية وغيرها، فنحن لدينا قضية نكتب فيها والشاعر يعبر عن حالته، هل من الممكن أن يأتي شاعر فلسطيني ويجلس في برج ويتكلم عن السريالية والألغاز والصور دون أن يعبر عما يجري من مجازر وقتل وإرهاب بحق أبناء شعبنا الفلسطيني؟ في النهاية الإبداع حالة إنسانية مندمجة مع بيئة الشاعر وفصلها عن هذه البيئة يجعلها كائناً مسخاً لا طائل منه.

    ـ أصدرت عشرين ديوانا شعرياً منذ عام 1954 ولاحظت من خلال تواريخ صدورها أن الفترة الممتدة بين عامي 58 و66 لم يصدر لك فيها إي ديوان شعري فما سر ذلك؟ ـ عام 56 جاء عبد الناصر ومعه خطة لإقامة دولة فلسطينية، حث تشكل إيمان عميق عند عبد الناصر بإيجاد الكيان الفلسطيني وفي هذه المرحلة شغلت عن الشعر في هذا الأمر، مع إنني كنت اكتب أحيانا لكن دون أن انشر ما اكتبه.

    ـ بمناسبة الحديث عن عبد الناصر، أنت ابن الحقبة الناصرية، عايشتها بل كنت موظفاً في صوت العرب، ماذا تقول عن هذه المرحلة؟ ـ منذ اللحظة الأولى التي سمعت فيها عن قيام الثورة في مصر اعتبرت نفسي احد جنودها، وأصبح أملي كبيراً بأن هذا الرجل سيحدث نقلة تاريخية في تاريخ الأمة العربية، وشاءت الأقدار أن أكون في اتون هذه الأحداث، وبحكم عملي اطلعت بشكل مباشر وغير مباشر على خبايا ما يريده عبد الناصر بالحس الذهني أو من خلال رجالات النظام.

    عمل عبد الناصر منذ عام 56 على تأمين سلاح للجيش، فلجأ إلى الكتلة الشرقية للحصول على السلاح وكان له ما أراد بحصوله على أول صفقة من السلاح التشيكي، وكانت هذه الصفقة من الأسباب الرئيسية لحرب 56، إلا أن العدوان الثلاثي لم يكسر شوكة عبد الناصر الذي تمكن من تفجير الموقف الشعبي ضد العدوان والاحتلال.

    كيف عاد الحاكم العام إلى غزة؟ الاتفاقية أن قطاع غزة يصبح تحت السيطرة الدولية «تدويل القطاع» لكن الشعب الفلسطيني رفض هذه الاتفاقية، وخرج بمظاهرات كبرى كانت تنادي وتهتف بعدم التدويل ووصلت إلى أوجها عندما صعد شاب اسمه محمد مشرف إلى سطوح السرايا وقام بإنزال العلم الدولي ورفع مكانه العلم المصري، وعندما نزل الشاب تم إطلاق النار عليه وقتله.

    وبعد عام 56 أعطى عبد الناصر فرصة للفلسطينيين برئاسة الإدارات التي كان يرأسها المصريون وفتح المجال أمامهم للذهاب إلى الكلية الحربية، إضافة إلى الدراسة في الجامعات المصرية، أراد تأهيل الفلسطينيين علمياً وعسكرياً.. وانشأ الاتحاد القومي فانتخبت لجان الاتحاد في محاولة مبكرة لإيجاد الكيان الفلسطيني وافرز من هذه اللجان انتخاب أعضاء المجلس التشريعي ليصبح هناك سلطة تنفيذية وتشريعية.

    ـ ما دمنا في هذا الإطار، كيف تنظر إلى النكبة الثانية التي حلت بالشعب الفلسطيني؟ ـ 1967 لها قصة طويلة وعريضة وليس لها مساس بنا كفلسطينيين فنحن قاتلنا حتى اللحظة الأخيرة وكنت حينها موجوداً في القطاع، عضو في منظمة التحرير الفلسطينية وسقطت الدنيا ونحن نقاتل، واذكر أن الأخوة الذين كلفوا بعمليات الداخل رفضوا التسليم بالهزيمة واستمروا بالقتال، لكن حصل ما حصل.

    ـ تأريخ 67 يشكل بداية اهتمامك بالمسرح، فإضافة إلى انك شاعر فأنت كتبت المسرحية والرواية، هل لك أن تطلعنا على هاتين التجربتين؟ ـ بدأ اهتمامي بالمسرح عام 67، حيث التفت إلى أهمية المسرح في إيصال الرسالة وكتبت أول مسرحية لي عام 1972، وصدرت هذه المسرحية عن الكتاب الذهبي ومثلت بعد ذلك على المسرح حيث أخرجها كمال ياسين ومثلها كرم مطاوع وسهير المرشدي وعرضت في التلفزيون بعد ذلك.

    وبعد ذلك كتبت مسرحية «سقوط بارليف» وهي منظومة على شعر التفعيلة وتحدثت فيها عن مفاهيم مختلفة عن كل المسرحيات التي قدمت وتم اختيار هذه المسرحية من بين عدد كبير من المسرحيات التي تم تبنيها من مصر في ذكرى العبور، وحصلت على المرتبة الأولى من بين ست مسرحيات اختيرت لهذه الغاية، ونفذتها فرقة المسرح القومي المصري عام 74 واستمر عرضها فترة طويلة من الوقت وطافت بلاداً عربية متعددة وكتبت بعدها «جسر العودة» و«عصافير الشوك» و«القصر».

    إما على صعيد الرواية فقد كتبت الرواية في أوائل الخمسينيات وكانت روايتي الأولى هي «دوامة الأعاصير» ودارت أحداثها حول سقوط حيفا، وفي أواخر الخمسينيات كتبت رواية «مولد عائد» وهي رواية تتم أحداثها كلها في لحظات ميلاد امرأة لاجئة في معسكر المغازي وكان زوجها في عملية فدائية ومع كل طلقة من طلقات الميلاد، كان هناك حديث عن خلفية المرأة وتهجيرها من يافا وكان المفروض تمثيل هذه الرواية سينمائيا وقبضت ثمنها لكن حدثت تغييرات ولم يتم عمل الرواية وضاعت النسخة الأصلية مني كما ضاعت من المخرج المصري توفيق صالح الذي كان مقررا أن يقوم بإخراجها. وكتبت رواية أخرى بعد ذلك وهي «سنوات العذاب».

    ـ إضافة إلى انك شاعر وأديب فأنت سياسي وإعلامي ومنذ عقود تتوالى المآسي والأحداث على شعبنا الفلسطيني بشكل خاص وامتنا الإسلامية والعربية بشكل عام، ولكن ما يلمس حاليا انحسار فعلي لدور المثقف العربي في الشارع ولا نلمس تأثيرا لهم على الشارع العربي ماذا تقول في ذلك؟ ـ شيء مريب أن يقابل ما يجري في فلسطين بالصمت من العالم العربي أنظمة وشعوبا وعندما كانت البلدان العربية ترزح تحت الاحتلال الفرنسي والبريطاني وغيرهما وكان يسقط شهيد في المغرب أو الجزائر أو مصر كنا في فلسطين نسمع صوت الأذان في غير موعده وتدق أجراس الكنائس تضامنا وتعبيرا عن حالة الغضب والتضامن وكنت تجد الألوف في الشوارع يطالبون بإنهاء الاحتلال عن إي بلد عربي.

    إما في الوقت الراهن فان المئات بل الآلاف يذبحون في الشوارع في فلسطين والعراق وغيرهما من البلاد الإسلامية والعربية وعلى شاشات التلفزة دون أن يحرك ساكنا لدى الشعوب الإسلامية والعربية.

    ـ أنت مندوب فلسطين الدائم في جامعة الدول العربية ونلاحظ في الوقت الراهن أن الولايات المتحدة الأميركية تشن حملة إعلامية وسياسية مكثفة على الدول العربية وهناك أحاديث عن إعادة تقسيم المنطقة العربية، كيف تقيم السياسة الأميركية إزاء العرب في هذه المرحلة؟ ـ السياسة الأميركية التي تنفذها الولايات المتحدة الأميركية ليست جديدة بل هي قديمة متجددة والمطلوب من العرب والمسلمين إعادة النظر بأوضاعهم وسياساتهم ومواقفهم وإذا ضربت العراق فسنطبق مباشرة المثل القائل «أكلت يوم أكل الثور الأبيض» فالأمر لن يقتصر على العراق بل سيتعداه إلى كل الأقطار العربية الواحدة تلو الأخرى ووجدت الولايات المتحدة فرصتها في إحداث 11 سبتمبر العام الماضي لتنفيذ مخططاتها وأنا واثق أن هناك خارطة جديدة ترسم لهذه المنطقة العربية «سايكس بيكو» جديد. هناك أمر ما سيحدث، فما جرى في أميركا لا يحتاج كل هذا القتل والدمار، أميركا لم تقم لجنة تحقيق في الموضوع بل بدأت بضرب أفغانستان ما يؤكد أن هناك مخطط وإستراتيجية تجاه المنطقة العربية والإسلامية وجدت أميركا في 11 سبتمبر مبررا ووسيلة للبدء بتنفيذها.

    ـ جامعة الدول العربية رأس الدبلوماسية العربية، والكثير يتهمها بالفشل والتقصير في معالجة المسائل العربية أين المشكلة؟

    ـ الجامعة العربية ليست كيانا واحدا وليس العيب فيها ولا في ميثاقها ولا قراراتها فهناك لجان ودراسات على اعلي المستويات وتم اتخاذ عشرات القرارات في كافة المسائل لكن الإشكالية في أن كل دولة عربية تأخذ ناصية بعيدة لها عن الالتزام بهذه القرارات والأغلب لا ينفذون منها شيئا فليس هناك قرار واحد اجمع عليه العرب ونفذوه، فالعيب ليس في الجامعة بل في الأنظمة التي لا تلتزم بما يتم اتخاذه من قرارات وهي جزء من صناعة هذه القرارات ومع ذلك ورغم أن العديد ينتقد ويهجو الجامعة العربية إلا أنها المكان الوحيد الذي مازال يلتقي فيه أفراد الأسرة الواحدة ويجمع شملنا.

    ـ بتقديرك ما المطلوب عربيا للخروج من هذه الحالة؟

    ـ المنطقة العربية تواجه مشاكل خطيرة وكبيرة تحتاج إلى مشروع تنمية سياسية واقتصادية شامل لذلك يجب أن تكون الحلول مستندة إلى حاجات الناس ولا يجب أن نلوم أميركا لوحدها فالعرب منذ سنوات بعيدة وهم يقبلون بالمنطق والسياسة الأميركية لان النظام الرسمي العربي مشرذم ويتصرف الحكام وفق المصالح القطرية الضيقة دون الأخذ بالاعتبار مصالح الشعوب العربية، فبعد غياب الموقف العربي الواحد أصبحنا أسرى السياسة الأميركية وغير مؤثرين وفاعلين في الساحة الدولية وهذا العجز والهوان أعطى إسرائيل فرصة كاملة لتحقيق ما تريد من احتلال للأراضي الفلسطينية وإلغاء للاتفاقيات والقتل والتدمير دون حساب للعرب.

    اعتقد أن هناك أزمة كبيرة في النظام الرسمي العربي فلا يصبح القرار الرسمي العربي جديا ـ وان عارض بالتصريحات والأقوال ـ إلا إذا ارتبط بالموقف الشعبي، فعلى الأنظمة العربية التواصل والترابط مع شعوبها لمواجهة الأخطار المقبلة وتجسيد العلاقة لبناء حالة واحدة بدلا من العداء وتربص كل طرف بالآخر.

    أعماله الشعرية :

    مع الغرباء (رابطة الأدب الحديث، القاهرة، 1954م).

    عودة الغرباء (المكتب التجاري، بيروت، 1956م).

    غزة في خط النار (المكتب التجاري، بيروت، 1957م).

    أرض الثورات ملحمة شعرية (المكتب التجاري، بيروت، 1958م).

    حتى يعود شعبنا (دار الآداب، بيروت، 1965م).

    سفينة الغضب (مكتبة الأمل، الكويت، 1968م).

    رسالتان (اتحاد طلاب فلسطين، القاهرة، 1969م).

    رحلة العاصفة (اتحاد طلاب فلسطين، القاهرة، 1969م).

    فدائيون (مكتبة عمّان، عمّان، 1970م).

    مزامير الأرض والدم (المكتبة العصرية، بيروت، 1970م).

    السؤال / مسرحية شعرية (دار روز اليوسف، القاهرة، 1971م).

    الرجوع (دار الكرمل، بيروت، 1977م).

    مفكرة عاشق (دار سيراس، تونس، 1980م).

    المجموعة الشعرية الكاملة (دار العودة، بيروت، 1981م).

    يوميات الصمود والحزن (تونس، 1983م).

    النقش في الظلام (عمان، 1984م).

    المزّة - غزة (1988م).

    عصافير الشوك / مسرحية شعرية (القاهرة، 1990م).

    ثورة الحجارة (دار العهد الجديد، تونس، 1991م).

    طيور الجنة (دار الشروق، عمان، 1998م).

    وردة على جبين القدس (دار الشروق، القاهرة، 1998م).

    أعماله الروائية :

    سنوات العذاب (القاهرة، 1970م).

    الدراسات :

    الشعر المقاتل في الأرض المحتلة (المكتبة العصرية، صيدا، 1970م).

    مدينة وشاعر : حيفا والبحيري (مطابع دار الحياة، دمشق، 1975م).

    الكلمة المقاتلة في فلسطين (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973م).

    ************************************



    هارون هاشم رشيد عقب فوزه بجائزة ((باشراحيل)) الشعرية:
    خيار الانتفاضة سلاح التحرير والمقاومة
    عايشت سنوات النكبة.. فكتبت عنها بدمائي.. وبإحساس المشردين

    القاهرة/صلاح حسن رشيد

    شاعر انصهر بالمقاومة المستبسلة، وعاش سنوات شبابه مطارداً من الاحتلال الإسرائيلي؛ لأنه عشق التراب الفلسطيني، وسطّر بأشعاره ملاحم النضال والصمود، وحكايات المآسي الفاتكة التي لاكتها عنجهية الصهيونية، هذا الشاعر اكتوى بنيران الحصار والدمار، فجاء شعره يحاكي عذابات نفسه وشعبه الأسير.. إنه هارون هاشم رشيد.
    في أشعار هارون هاشم رشيد (77 عاماً) مندوب فلسطين المناوب بجامعة الدول العربية، يلوح الحلم الفلسطيني المتجسد على أرض الواقع، بعد سنوات القهر والمذلة والهوان، فتياً مورقاً مخضراً، فهو القائل:
    أنا لن أعيش مشردا
    أنا لن أظل مقيدا
    أنا لي غدٌ وغدا
    سأزحف ثائراً ومرددا
    أنا لن أعيش مشردا
    التقيناه في ((فلسطين المسلمة)) أثناء تكريمه وفوزه بجائزة ((باشراحيل)) الشعرية مؤخراً بالقاهرة، رصداً لأدب المقاومة وتجذره في الوجدان الفلسطيني كخيار البقاء والوجود مع عدو لا يعرف سوى لغة الدم والقوة، وطرحنا عليه رؤيته لما يدور على الساحة الدولية، وكيف يرى مستقبل القضية في ظل التهميش الدولي الأمريكي لها، فكان هذا البوح الشعري المضفور بالرؤية السياسية الجامعة.

    - بداية، نعرف أنكم من الشعراء الذين أخلصوا للقضية وللمقاومة، حتى آخر نفس وطلقة.. نريد معايشة لعبق الشعر الفلسطيني الحي المعايش لآلام وآمال القضية منذ بواكيرها؟!!
    * لقد عشت مأساة فلسطين والنكبة شاباً في العشرينيات، ورأيت بأم عينيَّ.. جحافل التتار الجدد تدمر الأقصى والقدس، وتصادر الأراضي الفلسطينية والبيوت لصالحها.. رأيت الدمار الإسرائيلي بحق المواطن الفلسطيني البسيط، الذي أصبح بين عشية وضحاها أسيراً محتلاً ذليلاً، لا يملك إرادته، ولا حريته!! لذلك كثر الشهداء من أبناء شعبنا، من شتى التيارات والتوجهات، كانت دماؤهم تبني دولة الاستقلال والحرية، ومن أجسادهم نُسجت قلائد التحرير، ولذلك قلت لأم الشهيد التي رأيتها وأحسست بمشاعرها المتلاطمة:
    أنا لا أريدك.. تذكرين فتاكِ بالدمع السخينِ
    بالحزنِ.. بالأنَّاتِ.. بالأشجان.. بالصوت الحزينِ
    بتلهف القلب الطعين.. وبالتوجُّع.. والأنينِ
    إني أريدكِ.. تذكرين فتاكِ.. بالثأر الدفينِ
    بالوثبة الكبرى غداً.. في موكب النصر المبينِ
    هو في الرُّبَى الخضراء.. في زهو المروج الناضرهْ
    في شطِّ ((يافا)) في ذُرَى ((حيفا)) وفوق الناصرهْ
    هو في ((الكويتِ)) وفي ((الحجاز)) وفي ربوع ((القاهرهْ))
    في موكب المستبسلين وفى الدماء الفائرهْ
    هو في النفوس الناقماتِ وفي القلوب الثائرة
    هو في سنابلنا.. وملءُ جفوننا.. ملء الثمرْ
    هو في الندى، في الزهر، في الأنسام في ضوء القمرْ
    سترينه، أُماهُ، في غدنا المُخَضبِّ بالدماءْ
    في يوم معركة الخلاص الحقِّ، معركة الفداءْ

    -إذن.. هل ما زال خيار المقاومة والانتفاضة هو المطروح في الرؤية الحاكمة لدى النخبة الفلسطينية؟! وماذا عن مشاريع ((السلام والمعاهدات))؟!
    * إن خيار الشعب الفلسطيني هو المقاومة، وضرورة المقاومة، فمنذ بداية النكبة عام 1948، بل ما قبلها، ونحن لا نهادن، بل نقاوم الاحتلال وأعوانه، من أجل استرداد كرامتنا، وعودة اللاجئين والمشردين إلى ديارهم، وفي ظل تعنت (إسرائيل) اليوم، وعدم اكتراثها بقرارات الشرعية الدولية، وتطاولها على القانون الدولي.. لم يكن أمامنا سوى تفعيل الانتفاضة.. والمقاومة، والرد بقوة على (إسرائيل)!! إننا لن نجبن ولن نستكين.

    - لكن تلوح اليوم بوادر الانقسامات الداخلية التي تُحَرِّك أوارها وتذكيها (إسرائيل) في الخفاء؟! ما رأيكم؟
    * هذه مجموعة من أصحاب الأهواء، الذين لا يمثلون القيادة ولا الشعب، ولذلك لم يستجب لآرائهم المغلوطة أي تيار فاعل على الساحة، صحيح هناك اختلافات في التوجهات والآراء، ولكن هذا من قبيل إثراء الآراء وبلورتها أملاً في تحقيق ديمقراطية القرار المبني على رأي الشعب الفلسطيني بكامل فصائله.

    - لقد أدانت محكمة العدل الدولية جدار الفصل العنصري الإسرائيلي العازل، وأيدت ذلك أيضاً الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. فكيف ترون المستجدات القادمة بالنسبة لهذا الأمر؟
    * (إسرائيل) كيان همجي إرهابي لقيط، بلا دولة ولا ديموقراطية، إنها تمثل القهر والغدر والقتل، ولهذا فلا أتصور أنها ستستجيب لذلك؛ فكم من آلاف القرارات الدولية التي ركلتها (إسرائيل) بحذائها، ولم يجرؤ الرأي العام العالمي ولا الشرعية الدولية على إدانتها أو مهاجمتها!! إن (إسرائيل) تملك واشنطن، ومن هنا فهي تملك العالم!!

    - وما الرسالة التي توجهها لشارون وعصابته؟!
    * أقول له: مهما قتلت ودمرت فلن نستسلم، ولن نتقبل العزاء في شهدائنا إلا بعد انجلائك عن أراضينا، وطردك من القدس والديار الفلسطينية، وأقول له مخاطباً الشهيد الفلسطيني:
    نحن لن نقبل فيك العزاءَ
    قبل أن نبلغ بالثأر الرجاءَ
    مَنْ نُعَزِّي فيكَ يا فارسنا
    والمُلِمَّاتُ تجاوزنَ العزاءَ
    أنُعَزِّي مَنْ؟ فلسطين التي
    لم تزل ترسف في القيدِ استياءَ
    أنعزي مَنْ؟ شبابًا أقسموا
    أن يردوا ضربة الحقد جزاءَ
    أم نُعَزِّي أمّةً شرَّفتها
    بالبطولات سُمُواً وعلاءَ
    أَنُعَزِّي؟ لا فحاشا إننا
    لم نزل نحمل للثأر الولاءَ
    لن نُعَزّي قبل أن نبلغَه
    دامياً، يقطر بالنصر انتشاءَ!

    - وبعد كل هذا، ماذا تتمنى؟!
    * تحرير فلسطين والقدس، وإزالة الجدار العازل العنصري رمز إرهاب (إسرائيل) ودمويتها!! فإرادة الشعوب أقوى من أي جدار! وملاحم النضال الفلسطينية اليومية شاهد حق على قرب انهيار هذا الجدار على يد سواعد أطفال فلسطين الأبية العربية المسلمة!!

    ************************************



    احتفى به نادي الصحافة في أمسية شعرية مميزة أمس

    هارون هاشم رشيد لـ(الوطن) : قصائدي الغزلية ستظل في أدراجي ما بقي وطني تحت الاحتلال

    كتب ـ حسن المطروشي :

    في أمسية احتفالية مميزة احتضنها نادي الصحافة مساء أمس ألقى الشاعر الفلسطيني البارز هارون هاشم رشيد باقات عذبة من قصائده التي اقتطفها من عناقيد حدائقه الشعرية الغناء وجاء حاملا عبيرها وعبقها ليداعب بها قلوب عشاق الشعر والكلمة في السلطنة حيث شهدت الأمسية حضورا جماهيريا نوعيا مكثفا قدم فيها الشاعر هارون هاشم رشيد عددا من القصائد الجميلة التي يزخر بها رصيده الشعري الذي يمتد إلى قرابة نصف قرن من الزمان أنجز خلاله الشاعر حوالي عشرين مجموعة شعرية إضافة إلى أعماله المسرحية والمغناة والرواية وغيرها مما جعله ذاكرة جيل شعري عربي عاصر الكثير من التحولات على عدة أصعدة وتحفظ أجيال الوطن العربي قصائد الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد عن ظهر قلب كونه يأتي ضمن الأسماء الشعرية التي تدرس المقررات المدرسية في أرجاء العالم العربي.
    في تفاعل فريد مع الحضور قدم الشاعر هارون هاشم رشيد خلال أمسيته بنادي الصحافة مساء أمس قصائد كتبها خصيصا للسلطنة تؤرخ لأحداث ومواقف تفاعل معها الشاعر فجادت قريحته شعرا رقراقا عبر من خلاله عن تفاعله مع هذا الحدث أو ذاك مثل قصيدة الموسوعة (بدوي أنا .. إلى فتية عمان) والتي أكد الشاعر للوطن أنها كتبها بمناسبة رحلة السفينة العمانية (صحار) التي أبحرت في الثمانينيات من القرن الماضي إلى ميناء كانتون بالصين عبر طريق الحرير تيمنا بالرحلة التي قام بها قديما البحار العماني الشهير احمد بن ماجد كما قرأ الشاعر إحدى قصائده في هذا المجال بعنوان (وطن الاباة عمان).
    بعد ذلك فتح الجرح الفلسطيني ليغترف من نزيفه قطرات ملتهبة بلون الدم الذي يسفك يوميا على ارض فلسطين وبحرارة الدموع التي تنهمر من محاجر اليتامى ومآقي الثكالي والمشردين من أبناء الشعب الفلسطيني في الشتات القاسي وقد وجدت هذه القصائد آذانا مرهفة ولامست قلوبا نابضة وداعبت مشاعر جياشة مما جعل الجميع في حالة توحد وانسجام عبر من خلاله الشاعر بالحضور إلى مشاهد من الإبداع الأصيل المنقوع بلون المأساة والفجيعة على الوطن السليب والشعب المناضل الصامد بين ربوعه متمسكا بترابه وعقيدته وتاريخه وقضيته العادلة.
    وكان الشاعر قد أكد لـ (الوطن) إعجابه العميق بالسلطنة وعبر عن تقديره لحسن الضيافة وطيب الوفادة والاحتفاء الذي يحظى به منذ أن وطئت قدماه ارض السلطنة.
    وقال الشاعر هارون هاشم رشيد: انه لا ينشر أو يقرأ قصائده الغزلية في الأمسيات حاليا مبررا ذلك بقوله: نحن الآن في فلسطين نقاتل على ظهور الجياد حيث يسقط الشهداء وتثور الانتفاضة مطالبين بحقوقنا العادلة كبشر وعندما أرى وطني محررا من نير الاحتلال وارى شعبي ينعم بالحرية فعندئذ سوف أقوم بنشر وقراءة قصائدي الغزلية والى ذلك الحين فسوف تبقى قصائدي في أدراجها المقفلة أن معشوقتي وقضيتي الآن هي فلسطين.
    يذكر أن الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد يزور السلطنة حاليا بدعوة من وزارة الإعلام وتأتي استضافة نادي الصحافة له ضمن البرنامج الثقافي الذي اعد له تزامنا مع فعاليات مهرجان مسقط الدولي التاسع للكتاب.

    ************************************



    وردة علی جبين القدس

    (عبد الهادی سليمان غنيم ابن معسکر النصيرات فی قطاع غزة بطل عملية الحافلة رقم 405 علی طريق القدس الذی يواجه حکما إسرئيليا بستة عشر مؤبدا )

    " اللهُ اکبرُ " .. فُجِّــرَت تَتَــرَددُ وَ القُـدسُ شاخِصَةُ المآذنِ تَشهَدُ

    " اللهُ اکبرُ " ..يَوم أطلَقَـها الفَتی عبرَت إلی أُمِ الشَـهيدِ، تُزَغردُ

    قـالـت لهـا: ثاراتُنا لمّـا تَـزَل نِبراسَ ثَورتنا، يُضیءُ، وَ يُوقـد

    مَـن قـالَ أَنّا قَد نَسيـنا ثَأرَنا أَو أَنّنا عـَن ثَـأرِنـا نَتَـرَدَّدُ؟

    عَـينٌ بِعينٍ، لَـن نُغيِّرَ نَهجَنـا سِـنٌ بِسِـنٍ، شِـرعَـةٌ تَتَجَـدَّدُ

    " اللهُ اکبرُ " ..يَومَ فَجََّرَها الفَتی رَفَّت، کَطير فِی السَّـماءِ يُغَـرِّدُ

    حَمَلَت جِراحاتِ الاَسی وَعَذابَه وَتَنَقَّلَت، تَروی الحَکايـا، تَسرُدُ

    مِن أينَ؟مَن هذا الفَتی؟ماإسمُهُ؟ وَ لِمَن أَطَلَّ صَبـاحُهُ المُتَوقّـدُ؟

    حَملَ العَذابُ شـهورَه وَ سِنينَهُ وَ أَتی کَما السَّيفِ المُهَنَّدِ يُجرَدُ

    مِن شاطِئِ الاحزانِ حَيثُ تَرعرَعَت روحُ البُطولَةِ،... وَجهُهُ المُتَمَرَّدُ

    ومِن " النُصَيراتِ " الَّذی قاسَی الفَتی لَيلاتِهِ، دَوَّی النَفيرُ المُـرعـدُ

    إِنَّ " النُصيراتِ " الحَبيبَ مُکَبـَّلٌ بِسَلاسِلِ الغَزوِ الرَّهيبِ، مُقَيَّـدُ

    وَ جراحُهُ، لمّـَا تَـزل مَفـتُوحَةً ما مِن يَدٍ تَأسُـو الجراحَ تُضَمّدُ

    مازالَت الدُورُ التی عَن أهـلِها سُلِخت، تَثـيرُ حَنينَهُ، وَ تُجَـدِّدُ

    هُوَ کانَ، لمّـا أُسِّسَت أکواخُه وَ أُقيمَ يحلمُ بِالرجوعِ، وَ يُوعَدُ

    العـائدونَ بِـهِ عَلی ميعـادِهم يَتَرقَّبـُونَ مَتی يَحينُ المَوعِـــدُ

    نَشَأ التَلاميذُ الصِّـغارُ تَوالـياً أجيالُ فی حِضنِ الشَّقاوةِ تُولَدُ

    يَتَعَلـَََََّمُونَ صبــاحَ کُـلّ تَرَقُّـبٍ أنَّ الجِهادَ هُو الطـريقُ الاوحَـدُ

    وَ بِأنَّ مَوطِنَهم، لَهُم أبَدا، وَ إن طالَ الطريقُ بِهم، وَ عَزَّ المَقصَدُ

    کانَ الشِّتاءُ يزورُهم، فَيثيَـرهُم وَيُؤرقُ الليلَ الطويلَ، وَ يُسهدُ

    والموتُ، مِنجَلُ حاصِدٍ مُستکلِبٍ جَـوال يَنتزعُ الحياةَ، وَ يَحصـدُ

    عَيشُ اللجوءِ، وَ مَن يُکابِدُ بؤسَهُ يَدری لِماذا اللاجِئو نَتَمَـرَّدوا

    .

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت مايو 11, 2024 8:59 pm