لــــــغـــــــة الــــــضـــــا د

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
لــــــغـــــــة الــــــضـــــا د

منتدى الغة العربيه


    الإيقــــاع

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 09/01/2010

    الإيقــــاع Empty الإيقــــاع

    مُساهمة  Admin الأربعاء يناير 13, 2010 11:45 am










    الإيقــــاع

    ( 1 )

    يتحدد الإيقاع بعنصرين جوهريين لا بد من توافرهما معاً، وهما : الحركة والتنظيم، وقد عبر الدارسون عن هذين العنصرين بطرائق مختلفة، فابن فارس يرى أنَّ هناك علاقة وثيقة بين الإيقاع الموسيقي والوزن الشعري، فهو يحدد » أَنَّ أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أنَّ صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنغم، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة ، فتقسيم الزمان تأكيد على زمانية الإيقاع في الموسيقى والشعر وانَّ تقسيم الزمان يتم عبر ضربة أو حركة في الصوت في الموسيقى، أو تقسيمه بالوحدات الصوتية في الشعر، وإذا كان هذان البعدان يمثلان الحركة، فإنَّ الإيقاع لا يتم بمجـرد حدوث هذه الحـركة دون انتظام يحدد أبعادها ويلم عناصرها.

    ويرى ريتشاردز أنَّ الإيقاع يعتمد » كما يعتمد الوزن الذي هو صورته الخاصة على التكرار والتوقع فالتكرار » حركة « في الصوت، وانَّ التوقع يعني » انتظام « هذه الحركة بكيفية معينة، وليس شرطاً في تصور ريتشاردز أن يحدث ما تتوقعه بالفعل . كما أنه يرجع جانباً من الإيقاع وتوقعه إلى حالة ذاتية شعورية .

    ويعرف برتيل مالبرج الإيقاع في الكلام بأنه » تقسيم الحدث اللغوي إلى أزمنة منتظمة ذات علاقة متكـررة وذات وظيفـة وملمـح جمالي ، وعلى الرغم من أنه يعنى بتحـديد وظيفـة الإيقاع الجمالية وتأثيراته الدلالية فإنه يؤكد عنصري الإيقاع ويتحدد بالحركة التي يتم تقسيم الوحدات اللغوية إلى أجزاء زمنية من ناحية، وضرورة انتظام الوحدات الصوتية بطريقة يتكرر حدوثها .

    ويحدد فؤاد زكريا الإيقاع في الموسيقى بأنه » تنظيم لحركة اللحن بحيث يتناوب خلال هذه الحركة عنصر التأكيد المتوتر وعنصر إطلاق هذا التوتر وتخفيفه ، ولم يقتصر فؤاد زكريا على تأكيد عنصري الإيقاع فحسب، بل يحدد لكل منهما خاصيته المادية أو الروحية، فالحركة لديه تعبير » عن العنصر المادي « في الإيقاع، في حين يكون التنظيم » تعبيراً عن عنصره الذهني والروحي « وبهذا يكون الإيقاع في تصوره » جامعاً بين المادة والروح في مركب واحد، أو بين المجالين العضوي والبيولوجي من جهة والمجال الذهني والهندسي من جهة أخرى في توافق وانسجام ، ولا يختلف شكري عيّاد عن غيره من الدارسين فهو يؤكد أنَّ الإيقاع » يعرف إجمالا بأنه حركة منتظمة والتئام أجزاء الحركة في مجموعات متساوية ومتشابهة في تكوينها شرط لهذا النظام .

    إذن فالإيقاع في الموسيقى والشعر يتمثل في تتابع الوحدات الحركية المنظمة المتتالية في الزمن، بمعنى أنَّ الإيقاع لا يتم حدوثه في الموسيقى والشعر إلا في حدود زمنية غير أنَّ مفهوم الإيقاع قد يتم تمثله في آن واحد كما هو الحال في الفنون المكانية البصرية و في الرسم، والعمارة، والنحت، والبناء، ويكون الإيقاع هنا غير مرتبط بالتتابع الزمني وإنما يرتبط بحاسة البصر، فالإيقاع في الرسم مثلا هو » تكرار المساحات مكوناً وحدات قد تكون متماثلة أو مختلفة أو متقاربة أو متباعدة، ويقع بين كل وحدة وأخرى تعرف بالفترات ولذا ألفينا ريتشاردز يؤكد أنَّ السياق الزمني ليس » لازماً للإيقاع .

    إن الوحدات الصوتية تحتوي بالقوة على إمكانيات إيقاعية، ولا يتأتى لهذه الإمكانيات من تأدية دورها بفاعلية إلا في سياقات نثرية فنية معينة، ويصل تأثير نغماتها أقصى مداه في الشعر، فالوحدات الصوتية هي مادة الشاعر في خلق إيقاعه، ففي تركيبها وتكرارها بكيفية معينة يتولد الإيقاع الشعري .

    ولقد اكتشف الخليل بن أحمد الفراهيدي الأساس الصوتي الذي بنى عليه الشاعر العربي إيقاعه، وهو أساس بسيط فيما يرى ذلك شكري عياد لأنه يبنى على » التمييز بين السكون والحركة ، أي أنَّ تركيب الوحدات الصوتية بما تشتمل عليه من حركة وسكون يشكل إيقاع القصيدة . غير أنَّ هذه البساطة، والكلام لشكري عياد، بساطة خادعة، فإننا إذا شرعنا في تتبع النظام الذي تجري عليه الأوزان المختلفة من حيث تعاقب الحركات والسكنات طالعتنا أشكال بالغة التعقيد ، ولسنا هنا في سياق تتبع الدرس العروضي عند العرب، ولا تتبع الخلافات بين الدارسيـن في تصنيف الإيقـاع الشعري العربي من حيث التحديد الكمي أو النبري أو الارتكازي ، ولكننا في سياق تأكيد أنَّ الإيقاع الشعري إنما يستمد موسيقاه من الوحدات الصوتية للغة، ولذا فإنَّ الشعر لا يستعير موسيقاه من فنون أخرى، بل يستمد مادة صياغته من اللغة ذاتها وانَّ الوحدات اللغوية التي تشكل مادة الشاعر » لا تصبح لها قيمة عروضية إلا إذا انتظمت على أساس موسيقي .

    وإذا كانت الوحدات الصوتية هي التي تشكل الأنظمة الإيقاعية للقصيدة، فإن عملها من هذه الناحية مزدوج، فهي تخلق بناءها الإيقاعي من ناحية، وتؤثر فيه كل واحدة بالأخرى من ناحية ثانية، أي أنَّ تجاور الوحدات الصوتية، وتجاور الكلمات يؤثر في تحديد قيمتها الإيقاعية، ابتداء من أصغر وحدة صوتية، ومروراً بالكلـمة، فالبيت الشعري، ومن ثـم الإيقاع الكلي للقصيـدة بأسرها .

    إذن فالإيقاع الشعري بالغ التشابك والتعقيد، فهو يتصل بالإمكانيات الكامنة التي تنطوي عليها الوحدات الصوتية من ناحية، ويتصل بالانفعال المتخلق في أعماق الإنسان من ناحية ثانية . ولا ريب أنَّ هناك علاقة بين انفعال الإنسان وانتقاء مفرداته وكيفية تركيبها وتضامها، ومن ثم فإن هذا يؤثر في تشكيل الإيقاع، ويفسر هذا أنَّ إيقاع القصيدة يكون بسيطاً وساذجاً ومملاً حين يكون مجرد إيقاع مقصود لذاته، ولا يعبر حقيقة عن انفعال متوقد في الذات المبدعة، ولذا سرعان ما تمجه النفس وتمل منه، أما الإيقاع المتأثر بالانفعال والمتخلق في ضوء معطياته فانه سيكون له تأثيـر واضـح تتجلى ملامحـه في عمق تأثيره في المتلقي، ومدى غناه وثرائه، ولأنه يعبر عن وحدة الانفعال التي تؤثر في وحدة القصيدة . فالانفعال هو مبعث الشاعر لاختيار كلماته وانتقائها لتعبر عنه، وهو الذي يؤثر في تشكيل الكلمات بطريقة معينة، ومن خلال تشكيلها بكيفيات معينة يظهر ما نطلق عليه الوجود الموضوعي للقصيدة .

    وإذا كانت الكلمات تنطوي على دلالات معينة في أثناء تضامها في سياق لغوي نثري، فإنها في الشعر تتجاوز الدلالة المعجمية، وتتجاوز دلالتها في إطار سياقها النثري لأنَّ الإيقاع يسهم في تفجير الإمكانيات الكامنة في الكلمات، ويمكنها من التأثير بعضها في بعض، وإذا جاز القـول إنَّ معاني الكلمة تمـر عبـر مراحل تتدرج نحو الغنى، من الدلالة المعجمية، فالدلالة في سياق نثري، ثم الدلالة في النص الشعري، فان هناك دلالات تتخلق من الإيقـاع ذاته، يمكـن أن نطلق عليهـا ظلال المعاني، أو المعاني التي اسهم الإيقاع في تخليقها .

    ( 2 )

    لا ريب انَّ القصيدة العربية في مجمل تاريخها الطويل تتكون على نحو العموم من أبيات شعرية متماثلة في تفعيلاتها، وانَّ المطلع باستثناء التصريع يحدد البناء الإيقاعي للقصيدة كلها، كما أنَّ البيت الشعري في أغلب أحواله يتكون من شطرين شعريين يتوقف الشاعر في أغلب الأحوال في نهاية الأول، ومن ثم يتوقف عند نهاية الثاني، وتمثل القافية مرتكزاً إيقاعياً يستأنف الشاعر من خلاله موجة جديدة ثابتة للبيت، وإنَّ الشاعر يلتزم في أثناء هذا بالبحر الشعري، أو بنمط من أنماطه المعروفة بتفعيلاته، ونوع ضربه وعروضه، ولا يتجاوز ذلك إلا في الحدود التي يسمح بها علم العروض العربي من زحافات أو ضرورات .

    وفي ضوء هذا نجد أنفسنا أمام نظام إيقاعي صارم يحدد الإطار الخارجي للإيقاع العربي، الذي لا بد للشاعر من الانصياع له والالتزام بقوانينه، وإنَّ كل المحاولات التي رأيناها في التراث العربي التي حاولت التغيير سواء في الموشحات أو غيرها، لم تستطع النيل أو التأثير الجوهري من قداسة وصرامة هذا النظام الإيقاعي .

    ويبرز أمامنا سؤال يطرح نفسه بإلحاح، ترى هل كان الشعر العربي القديم جاهليا، وإسلاميا، وعباسيا، صورة ثابتة وجامدة للنظام الإيقاعي الخارجي بوصفه نظاما معياريا ثابتا ؟ وإذا كان الرد بالإيجاب فهذا يعني أنَّ القصائد العربية ستتحول إلى صورة جامدة واحدة مكرورة، وهذا ليس بصحيح، لأنَّ النصوص الشعرية في تلك المراحل تدحض هذا الزعم، وتؤكد تفاوتاً إيقاعياً في القصائد التي نظمت على بحر شعري واحد كالطويل مثلا، كما أنَّ الشاعر نفسه تتفاوت تنويعاته الإيقاعية في القصائد المتماثلة في وزنها، بل وفي داخل القصيدة الواحدة بحسب الحالة الشعورية التي يمر بها .

    وفي ضوء هذا نستطيع القول إنَّ هناك ثابتاً معيارياً يتحدد في القوانين الصارمة للعروض العربي كما أرساه الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقد التزم الشعر العربي بهذه القوانين، ولكنه في الوقت نفسه عبر عن تجربته الشعورية، وهي تجربة خاصة، ولذلك فإن الشاعر المبدع هو الذي يسعى إلى تحويل الثابت المعياري إلى إيقاع خاص به، يلّونه وينوّع فيه تجربته الشعورية، بمعنى أنَّ الشاعر يحافظ على التفعيلات ونظامها ولكنه يتحرك بحرية ما في إطار هذه التفعيلات بتنويعات إيقاعية خاصة، سنطلق عليها الموسيقى الداخلية، أو الإيقاع الداخلي للقصيدة، وهذا هو الذي يسهم في تحديد خاصية هذا الشاعر، ويسهم أيضا في تحديد أسلوبه » ولا نستطيع أن نتصور أنَّ الشاعر في هذا البحر أو ذاك وفي هذه الموضوعات والمعاني المختلفة التي يعرض لها في القصيدة الواحدة من الوقوف على الأطلال إلى الغزل والوصف المديح أو الهجاء، إنما يعزف مقطوعة موسيقية واحدة، أو يصدر عن نغم رتيب متكرر، فحياة الجاهلي كانت حياة متجددة متغيرة وظروف الحياة من حوله لم تكد تبقي شيئا على حاله، ومثل هذه الرتابة الموسيقية من شأنها أن تعقد نفسيته، وتفسد عليه وظيفة الشعر الفنية بوصفه وسيلة للخلاص النفسي من هذا التوتر الدائب بين الشاعر وبيئته في أشكالها المختلفة : الاجتماعية والقبلية والدينية والاقتصادية، ونريد أنْ نصل من هذا إلى القول بأنَّ عالم الشعر الداخلي ينبئ عن موسيقى متغيرة ومتجددة في داخل هذا الإطار الموسيقي الخارجي،إطار البحر الشعري

    وقد حفل الشعر الجاهلي بأنماط متعددة من الإيقاع الداخلي، ويمكن التحدث عن نمطين مهمين في هذا السياق، وهما :

    أولاً : التكرار :

    ويراد به إحداث أصوات تتكرر بكيفية معينة في البيت الشعري الواحد، أو في مجموعة من الأبيات الشعرية، أو في قصيدة، أو في ديوان شاعر، ويمكن تقسيم التكرار إلى الأنواع التالية :

    تكرار شطر بيت شعري .

    تكرار مقطع من البيت .

    تكرار كلمة .

    تكرار حرف .

    أما تكرار شطر بيت شعري فإن له وجوداً واضحاً في الشعر الجاهلي، ولعل هذا يرجع إلى المراحل الأولى من إبداع الشعر العربي، » وإنَّ اللغة العربية قد عرفت هذا النوع من الإعادة في دهرها الأول، حين لم تكن أوزانها وقوافيها قد بلغت النضج والقوة والاستواء الذي بلغته في العصر الجاهلي ، ومن أمثلة ذلك قول المهلهل بن ربيعة :



    على أنْ لَيسَ عَدْلاً مِنْ كُليبٍ

    إذا طــُردَ الـيَتـيمُ عن الجـَـزُورِ

    على أنْ لَيسَ عَدْلاً مِنْ كُليبٍ

    إذا مَا ضِـيـمَ جِيرانُ الـمـُجيــرِ

    على أنْ لَيسَ عَدْلاً مِنْ كُليبٍ

    إذا رَجَـفَ العِضـاهُ من الدَّبـُــورِ

    على أنْ لَيسَ عَدْلاً مِنْ كُليبٍ

    إذا خَرجَتْ مُـخَـبـَّأَةِ الـخُــدورِ

    على أنْ لَيسَ عَدْلاً مِنْ كُليبٍ

    إذا ما أُعلنَتْ نَجوَى الأمـــــورِ

    على أنْ لَيسَ عَدْلاً مِنْ كُليبٍ

    إذا خِيفَ المخوفُ من الثُّغـــــورِ

    على أنْ لَيسَ عَدْلاً مِنْ كُليبٍ

    غَدَاةَ تَلاتلِ الأَمرِ الكَبـــيــــرِ

    ومن قول طرفة بن العبد :

    وَلَقَدْ تـَعْـلَـمُ بَـكْـرٌ أَنّنا

    آفَةُ الجُزْرِ مَـسـَامـيـحٌ يُسُــرْ

    وَلَقَدْ تـَعْـلَـمُ بَـكْـرٌ أَنّنا

    واضِـحُـو الأَوجُـهِ في الأَزمَةِ غُـرّ

    وَلَقَدْ تـَعْـلَـمُ بَـكْـرٌ أَنّنا

    فَاضِـلُـو الرأَي وفي الرّوع وُقُــر

    وَلَقَدْ تـَعْـلَـمُ بَـكْـرٌ أَنّنا

    صَادقو البـأَسِ وفي الـمَحفِلِ غُـرّ


    أما تكرار مقطع في البيت الشعري فلا يقل في وجوده في الشعر الجاهلي عن تكرار شطر من البيت، نقتصر في ذلك على قول الخنساء :

    تَبكي خُناسٌ فَمَا تَنفكُ مَا عَمَرتْ

    لَهَــا عَليـهِ رَنينٌ وهـي مِفْتَـارُ

    تَبكي خُناسٌ عَلَى صَخْرٍ وَحقّ لَهَـا

    إِذْ رَابها الدَّهْرُ إنَّ الدَّهْرَ ضَرَّارُ


    وتقول :

    وَإِنَّ صَخْرَاً لَوالــينَا وَسَيدُنَـا

    وإِنَّ صَخْرَاً إِذا نِشْتــوا لَنَحْـّارُ

    وإنَّ صَخْرَا لمقدامٌ إِذا رَكِبـوا

    وإِنَّ صَخْرَا إذا جَـاعـوا لَعَقَّـارُ

    وإِنَّ صَخْرَا لَتَأَتمُ الهُـداةُ بِـهِ

    كأَنَّهُ عَـلَـمٌ في رأســِـهِ نــارُ

    وتقول :


    وَابكي أَخاَكِ ولا تَنْسَي شَمائلَهُ

    وابكي أَخاكِ شجَاعَاً غَيْـَر خَـوَّارِ

    وابكي أَخاكِ لأَيتامٍ وأَرمَلَـةٍ

    وابكي أَخاكِ لِحقِّ الضَّيفِ والجَارِ


    وقولها :

    أَعَينيَّ جُودَا وَلاَ تَجمُــــدَا

    أَلاَ تَبكيانِ لِصَخْــرِ النَّدى ؟

    أَلاَ تَبكيانِ الجَريءَ الجَميلَ

    أَلا تَبكيانِ الفَتَى السَّيَّدا ؟

    أما تكرار كلمة فهو كثير في الشعر الجاهلي، ويراد به تقوية النغم والتأكيد على المعنى وشدة الاهتمام، وقد أكثرت الخنساء من تكرار كلمة » بكى « وما يشتق منها، كما كررت اسم أخيها» صخر « وقد سبق أن ذكرنا بعضا من ذلك، ومثله ما قاله الأعشى :

    عَلَّقتُهَا عَرَضَاً، وَعُلّقَتْ رَجُلاً

    غَيري وعُلِّقَ أُخرَى غَيرَها الرَّجُلُ

    وعُلّقتهُ فَتَاةٌ ما يُحَاوِلُــها

    من أَهلِـها مَيِّتٌ يَهذِي بِهَا وَهِلُ

    وعُلِقَتْني أُخرى مَا تُلائمُنـي

    فَأَجْـمَعَ الحُبُّ حُبّــاً كُلُّهُ تَـبِلُ

    وهناك نوع من التكرار أطلق عليه قدامة بن جعفر » التوشيح « وهو » أنْ يكون أول البيت شاهداً بقافيته ومعناها متعلقاً به حتى إنَّ الذي يعرف قافية القصيدة التي البيت منها إذا سمع أول البيت عرف آخره وبانت له قافيته يقول زهير :

    إِنَّ الخَلَيطَ أَجَدَّ البَيْنَ فَانفَرَقَا

    وَعُلِّـقَ القَلـبُ مِنْ أَسمَاءَ ما عَلِـقَا

    ويقول :

    وَكُلُّ مُحبٍّ أَحْدَثَ النأَي عِندَهُ

    سُلُــوُّ فُؤَادٍ غَيـرَ حُبِّكِ ما يَسْلُــو

    وتقول الخنساء :


    يَاعَينُ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكَابَا ؟

    إذ رابَ دَهْرٌ وَكَانَ الــدَّهرُ رَيَّابَا

    يَعْـدو بِهِ سِابِحٌ، نَهْـدٌ مَـراكِلُهُ

    مُجَلـبَبٌ بِسَـــوَادِ الليـلِ جِلبَابا

    حَتَّى يُصبّحَ أَقــواماً يُحَـاربُهم

    أَو يُسلبوا دونَ صَفِّ القَومِ أَسْلابَا

    وتقول :

    تَقولُ نِساءٌ : شِـبتِ مِنْ غَيرِ كَبْرَةٍ

    وأَيسرُ ممَّا قَـدْ لَقيتُ يُشيبُ

    وتقول :

    ذَكَرْتُ أَخَي بَعْدَ نَومِ الخَليِّ

    فانحَدَرَ الدّمعُ مِنّي انحدَارا

    تَصَيَّـدُ بالــرمحِ ريعانُها

    وَتَهتَصرُ الكَبشَ مِنها اهتصَارا

    أما تكرار الحرف فيمكن تتبعه في معلقة زهير بن أبي سلمى، فلقد تكرر حرف الميم بشكل واضح وكثير في القصيدة، ومن الجدير بالإشارة أن حرفا آخر من الحروف المقاربة لحرف الميم قد كثر وروده في المعلقة وهو حرف النون، وقد تكررت بشكل يثير الانتباه » من « الجارة و » من « الموصولة، يقول زهير بن أبي سلمي :



    أَمـنْ أُم أَوْفَـى دِمنَــةٌ لَـم تَكَلَّم

    بِحَومانِةِ الـــدَّرَّاجِ فالمتَثَلَـــم

    وَدَارٌ لَهَــا بالرَّقْمتيـنِ كَأَنَّهَــا

    مرَاجيعُ وَشْم في نَــواشِـِر معصَـم

    بِهَا العَيْنُ والأَرآم يَمشينَ خِلْفَـةً

    وَأَطلاؤُهَا يَنهضْنَ من كُـلِّ مجثَــم

    وَقَفتُ بِهَا من بَعدِ عِشــرينَ حِجَّــةً

    فَلأياً عَرَفتَ الــدَّارَ بَعدَ تَـوهُم

    أَثَافِيَّ سُفْعَاً في معَرَّسِ مــرْجَــلِ

    وَنُؤياً كَجِذْم الحـوضِ لم يَتَثَلَّــم

    فَلَما عَرَفتُ الدَّارَ قُلتُ لِرَبعِــهـا

    أَلا انعِم صَبَاحَاً أَيُّها الرَّبعُ واسْلَم

    تَبَصَّرْ خَلِيلي هَلْ تَرَى من ظَعائِـــنٍ

    تَحَملنَ بالعَلياءِ من فَوقِ جـُـرثُم

    جَعَلنَ القنانَ عن يَمينٍ وَحــزنَــهُ

    وَكَم بالقنانِ من محِــلٍّ ومحْــرِم

    فلقد تكرر حرف الميم 38 مرة في الأبيات السابقة، فلقد ورد حرف الميم ثمان مرات في البيت الأول، وست مرات في البيت الأخير من هذه لمقطوعة، أما في المعلقة كلها فلقد تكرر الميم 300 مرة .

    ومن الجدير بالإشارة أن نتوقف عند قول الشاعر الإسلامي نُمير بن كُهيل الأسدي :

    ذَكَرتُكِ والحَجَيجُ لَهم ضَجَيْجُ

    بِمكَةَ والقلـوبُ لَهَا وَجَـيبُ

    فَقُلتُ ونحنُ في بَلَدٍ حَـرامٍ

    بِهِ للّـهِ أَخلَـصَتْ القلـوبُ

    أَتوبُ إِليكَ يا رَحمنُ ممـا

    عَمِلتُ فَقَدْ تَظَاهَرتِ الذُّنُوبُ

    وأَمَّا عن هوى سُعْدَى وحُبِّي

    زِيارتَهَا فَإِنِّـي لا أَتــوبُ

    وَكَيفَ وعِندَهَا قَلبي رَهينٌ

    أَتــوبُ إليكَ منها أَو أُنيبُ

    فان تكرار » الجيم « في البيت الأول له قيمته الدلالية والجمالية، وتتجلى أبعاد هذه القيمة في تكرار هذه الوحدة الصوتية، ومما يثير الانتباه أنها وردت خمس مرات في الكلمات : » الحجيج « و» ضجيج « و » وجيب «، وفي الكلمتين الأولى والثانية كاد يتجاور جيمان، لم يفصل بينهما سوى حرف واحد، مما يقوى أثر إيقاعها، وجاءت الجيم الخامسة في آخر كلمة في البيت الشعري، وكأنها تمثل مرتكزاً صوتيا يتوقف عنده المشهد بإيقاعه .

    إن الصورة في بعدها الحسي المرئي تشتمل على اجتماع آلاف الناس يؤدون مراسم الطواف في مكة المكرمة، وقد أكمل الشاعر الصـورة المتخيلة بمؤثر حسي صوتـي، لتشعر المتلقي بضجيج أصوات الناس المختلطـة، والشاعـر فيما يبدو لي لم يكن قاصداً إلى ذلك أصلاً، وليس في تصوره أنَّ » الجيم « إذا احتشدت بهذا الشكل ستؤدي إلى هذه القيمة الجمالية والدلالية، ولكنه كان دون شك واقعاً تحت تأثير المشهد والانفعال به، فكان التعبير عنه صادقاً، فتم اختيار المفردات تحت تأثيرات غير واعية، وهذا يقودنا إلى القول » إنَّ لبعض الأصوات قدرة على التكيف والتوافق مع ظلال المشاعر في أدق حالاتها، وترتبط الظلال المختلفة للأصوات باتجاه الشعور، وهنا تثرى اللغة ثراء لا حدود له .

    ومثل هذا ما يمكن التوقف عنده في قول الشاعر يزيد بن الخذاق الشني :

    نعمانُ ! إنكَ خائنٌ خَدِعٌ

    يُخفي ضميرُكَ غيرَ ما يُبدي

    يقول محمد النويهي إنّ َ »الخاءات الثلاث التي تتردد في قوله » خائن، خدع، يخفي « تنسجم مع شعور الاحتقار والاشمئزاز ، أما الحشد المقصود للوحدات الصوتية فإنه يقلل من أهمية الوحدة الصوتية أولاً، ويكشف عن قبح البيت الشعري ثانياً، وفي شعرنا العربي أمثلة عديدة على ذلك، وقد فطن علماء البلاغة إلى قبح ذلك، وقد تناولوه تحت باب تأليف اللفظة، وليس أدل على ذلك من نكارة الشعر وثقل النطق به من هذا البيت الشعري ، قال الشاعر :

    وَقَبر حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرٍ

    وَلَيسَ قُرب قَبرِ حَربٍ قَبرُ

    ثانيا : التقطيع الصوتي :

    وهو أنْ يعمد فيه الشاعر إلى التقطيع المقصود في ترتيب كلماته في داخل البيت الشعري، معتمداً الجناس والازدواج، والموازنة بين الكلمات أو المقاطع موازنة تامة أو غير تامة، وفي هذا السياق، سياق الكشف عن جماليات الإيقاع ودلالته نتوقف عند بيتين شعريين لامريء القيس في معلقته، إذ يسهم كل منهما في الكشف عن مدى التفاعل بين الصورة المتخيلة والجانب الإيقاعي، فعلى الرغم من أنَّ البيتين كليهما من قصيدة واحدة، فانهما يتفاوتان من حيث إيقاعهما، ويتفاوتان في تأدية قيم دلالية وجمالية، فالبيت الأول يصف فيه سرعة فرسه، وهو :

    مِكَـرٍّ مِفَـرٍّ مُقبـلٍ مُـدبـرٍ معـاً

    كجلمودِ صخرٍ حطَّهُ السيلُ من عَـلِ

    يشرحه الزوزني بقوله » هذا الفرس مكر إذا أريد منه الكر، ومفر إذا أريد منه الفر ومقبل إذا أريد منه إقباله، ومدبر إذا أريد منه إدباره، وقوله معاً، يعني أنَّ الكر والفر والإقبال والإدبـار مجتمعـة في قوته لا في فعلـه، لأن فيها تضاداً، ثم شبهه في سرعة مـرة وصلابـة خلقه بحجر عظيـم ألقاه السيل من مكـان عـال إلى حضيض
    ولا أريد التوقف عند العناية الجزئية بعناصر البيت الشعري، وتسليط الأضواء عليها مستقلة، دون الالتفات إلى المعنى الشعري الذي يقصد إليه الشاعر، وبخاصة أنَّ الشارح قد شغلته القضايا المتضادة، فعمد إلى الفصل بينها . والشاعر ببساطة لم يكن يقصد إلى كل هذا التفصيل الذي جشم الزوزني نفسه من أجل تجليته . إنَّ الشاعر يتحدث عن خصائص فرسه في سرعته، وقد تداخلت في التعبير عن هذه الخصائص صورتان تخيلية، وإيقاعية، أما الأولى : فهي الحركة الخاطفة السريعة التي يعدو بها الفرس، وكأنه يؤدي الأدوار كلها مرة واحدة، ومماثلة تلك الحركة الخاطفة بسرعة سقوط حجر من أعلى جبل، ترى هل إنَّ سرعة الفرس تماثل السرعة الخاطفة التي يهوي فيه الحجر بحيث تعجز العين عن متابعته، فضلا عما يثيره من غبار خلفه ؟ وعلى العموم فإنَّ الشاعر في الجانب الثاني، وهو الجانب الإيقاعي يضفي قيمة دلاليـة وجماليـة من خلال هذا التقسيـم المتقطع الذي يتوقف فيه المنشد مع إنهاء كل تنوين من الكلمـات »مكرٍ مفرٍ، مقبلٍ، مدبرٍ، معاً « وهو يوحـي، أو يوقـع في روع المتلقي، صوت وقع حوافر الفرس في أثناء عدوه وسرعته، ولو توقفنا عند إيقاع كل كلمة لوحدها بعيداً عن إيقاع الوزن العروضي، لألفينا تماثلاً إيقاعياً بين الكلمتين الأولى والثانية » مكر، مفر « وتماثلاً في الإيقاع بين الثالثة والرابعة » مقبل، مدبر «، ترى هل يحق لنا القول : إنَّ هذه الإيقاعات المختلفة تحكي أصوات وقع حوافر هذا الفرس في ألوان عدوه المتفاوتة بين السرعة والإبطاء .

    أما البيت الثاني الذي نحن في سياق تأمله، فهو البيت الثالث من هذا المقطع من معلقة امرئ القيس :

    وليلٍ كموجِ البحــرِ أرخى سدوله

    عليَّ بأنــواعِ الـهـمـــومِ ليبتلي

    فقلتُ له لمَّــا تَمَطَّــى بصُلبهِ

    وأردفَ أعجــازاً ونــاءَ بكَـلكَلِ

    ألا أيُها الليلُ الطويلُ ألا انجلي

    بصُبحٍ وما الإصبــاحُ منكَ بأمثلِ

    فيا لـكَ من ليــلٍ كأنَّ نجــومَهُ

    بأمراسِ كتّانِ إلى صُمِّ جَندلِ

    وتتجلى في هذا البيت مظاهر إيقاعية أخرى تختلف عن البيت الشعري السابق على الرغم من أنَّ البيتين الشعريين هما من القصيدة نفسها، ومن الوزن الشعري نفسه .

    إن هذا البيت يتميز بكثرة مدوده التي تظهر في » ألا، الليل، الطويل، ألا، انجلي، ما، الإصباح «، وتعبر هذه المدود عن الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر، فلقد وصل درجة من التأزم النفسي، بعد أنْ أحاطت به عتمة الليل وقسوته، ووصل إلى الصراخ في مخاطبته الليل، ومن الطبيعي أن تكثر هذه المدود لتتناغم مع طبيعة التجربة الشعورية المفعمة بالألم .

    لا ريب أنَّ مظاهر الإيقاع تختلف بين البيتين، فهناك قطع، وسرعة، وجري يتناغم مع طبيعة مشهد العدو والجري التي مر بها الشاعر، وهنا مدود، وصراخ، يتناغم هو الآخر مع طبيعة الحالة الشعورية التي يعيشها الشاعر . إنَّ هذا الاختلاف في الإيقاع له دلالته الفنية والجمالية، لأنه يساعدنا على الكشف عن التجربة الشعورية التى مر بها الشاعر، وقد فطن إبراهيم عبد الرحمن إلى ذلك في أثناء تحدثه عن قصيدة امرئ القيس :

    خليلَيَّ مُرَّا بي على أُمِّ جُنـــدب

    نُقَضِّ لُبَاناتِ الفُـؤادِ المُعَــذَّبِ

    فإنكُما إنْ تَنظُراني سَاعَـــــةً

    من الدَّهرِ ينفعني لَدى أُمِّ جُندبِ

    مقارناً ذلك بوصف فرسه في قوله من القصيدة :

    فَلِلساقِ أُلهُوبٌ وللسِّوط دِرَّةٌ

    وللزَّجر منهُ وَقْعُ أَهْوجَ مِنعَـبِ

    فَأَدركَ لم يَجهَدْ ولم يَثنِ شَأَوهُ

    يَمُرُّ كَخُذْرُوفِ الـوَليدِ المُثقَّبِ

    يقول » وواضح أنَّ الأبيات الأولى تخلو من تلك التقسيمات والمقابلات التي تكثر في أبيات المقطوعة الثانية التي يصف فيها سرعة فرسه، وما يحدثه به من الضرب بالسوط والزجر بالساق لينطلق به في إثر صيده سريعاً منحدراً كالجبل في عنفه وشدته . وهذا البطء الموسيقي أو قل تتابع المدات والسكنات في أبياته الأولى نابع من هذا الجو النفسي الخاص الذي يفرضه عليه هذا الهجران، والذي يحمله على التأمل الهادئ في حالته وظروفه، ويجعل حديثه إلى أصحابه، حديث شاك حزين ملح في شكواه، وكأنه يريد أنْ يبلغ من نفس رفيقه ما يحمله على إصلاح ما فسد بينه وبين صاحبته… أما وصف امرئ القيس لحصانه فنابع من موقف شخصي مختلف، موقف المقبل على الحياة الذي يرى في هذا الحصان مجرد وسيلة تبلغه غايته، ومن ثم فالموسيقى عنيفة مندفعة عنف الشاعر واندفاعه. وقسوته على فرسه نابعة هي الأخرى من حاجته إليه في بلوغ غايته وهي مطاردة هذه الحيوانات الوحشية، وكأنه كان لا يريد أن يفـوته شيء من متـع هذه الحياة .

    ومن أمثلة التقطيع قول الخنساء :

    المجدُ حُلتُهُ، والجودُ عِلتُهُ

    والصـدقُ حَوزَتُهُ إنْ قِرنُهُ هابا

    خَطّابُ مَحفلَةٍ، فَــرّاجُ مَظلمةٍ

    إنْ هابَ مُعضلةً سَنّى لها بابـا

    حَمالُ الويةٍ، قَطــاعُ أوديةٍ

    شهـّـادُ أنـجيةٍ للوِترِ طَلاّبـا

    وقولها :

    أغرُ، أزهرُ، مثلُ البدرُ صُورتُهُ

    صافٍ عتيقٌ فما في وجهه نَدَبُ

    وقولها :

    وَإِنَّ صَخْراً لَوَالينا وَسَيدُنَا

    وَإِنَّ صَخْراً إِذا نَشتُوا لَنَحَّارُ

    وَإِنَّ صَخْراً لَتَأْتُمُّ الهُداةُ بِهِ

    كَأَنهُ عَلَمٌ في رَأْسِـهِ نَارُ

    جَلْدٌ جَمَيلُ المُحيّا كَامِلٌ وَرِعٌ

    وَلِلحروبِ غَداةَ الرَّوْعِ مِسْعَارُ

    حَمَّالُ أَلويَةٍ هَبَّاطُ أَوديةٍ

    شَهَّادُ أَنديةٍ للجَيشِ جَرَّارُ

    نَحَّارُ راغيةٍ مِلجِاءُ طَاغيةٍ

    فَكَّاكُ عَانيةٍ للعَظمِ جَبَّارُ

    وقول الأعشى :

    غراءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارضُها

    تمشي الهُوينا كما يمشي الوجي الوحلُ

    وقوله :

    هِركُولةٌ فُنُقٌ دُرمٌ مرافقـها

    كأنّ أخمصها بالشوك منتعل

    وقوله :

    دِمنَةٌ قَفرَةٌ تَعاوَرَهَا الصّيـ

    ـفُ بِريحَينِ من صِباً وشَمَالِ



    ( 3 )

    ولمزيد من التفصيل نود التوقف عند قصيدة المنخل اليشكري، ونشير أولاً إلى إيقاعها الخارجي المتمثل في بحر الكامل، أومجزوء الكامل على وجه الدقة، وهو يتكون من تفعيلتين في كل شطر على النحو التالي :

    متفاعلن متفاعلاتن

    متفاعلن متفاعلاتن



    وهو بهذا يكون على موجتين إيقاعيتين تتناوبان، قصيرة فطويلة، ثم قصيرة فطويلة، وعندها يتوقف الإيقاع عند الروي، بوصفه مرتكز الإيقاع لتكرر الموجتين الإيقاعيتين المتناوبتين، يقول المنخل اليشكري :

    إنْ كُنْـتِ عَـاذِلَتي فَسِـيري

    نَحْـوَ العِـرَاقِ ولا تَحُــورِي

    ويمكن رصد التنويع الإيقاعي في هذه القصيدة وفقا لاعتبارات عديدة، وهي على

    النحو التالي :

    أولهــــا :

    يمكن تتبع الإيقاع الموسيقي في القصيدة من خلال الأبيات الشعرية التي يمكن قراءتها، وقد استقل الصدر عن العجز، أي أنَّ قارئ القصيدة يتوقف عند نهاية الصدر، كما أنه يتوقف عند نهاية عجز البيت، والأبيات هي :

    إنْ كُنْـتِ عَـاذِلَتي فَسِـيري


    نَحْـوَ العِـرَاقِ ولا تَحُــورِي

    وإذا الـرَِياحَ تَكَمَّشَــــتْ

    بِجَــوَانِبِ البَيـتِ الكَسيرِ

    أَلفَيتِني هَــشَّ النَّــــدى

    بَشَـريجِ قِـدحِـي أَو شَجيـرِي

    شَــدُّوا دَوَابِـرَ بيضِـــهِم

    في كُـلِّ مُحْــكَمَةِ القَتَــيرِ

    وَاستَلأَمُـــوا وَتَلَبَّـبَـوا

    إنَّ التَـلَبُبَ لِلمُـغِــــيرِ

    فَـدَفَـعْـتُـهَا فَـتَدَافَـعَـتْ

    مَـشيَ القَـطَاةِ إلى الغَدَيْرِ

    ولِثمتـُـهَـا فَتَـنَـفَّـسَـتْ

    كَـتَـنَفُّسِ الظَّبـي البَهِــيرِ

    وأُحـِبُّهـَـا وتَحِـبُّـنــي

    وَيُـحبَُ نَاقَـتَـهَا بَعَـيــري

    فإِذا انـتَـشَيْتُ فإِنـنـي

    رَبُّ الخَـوَرنَـقِ والـسَّـديـرِ

    وإِذا صَـحَــوتُ فإِنـنـي

    رَبُّ الشُّـويهـةِ والبَـعَـيـرِ

    يـَا هِـنْــدُ مَنْ لِمُـتَيـَّـمٍ

    يَـا هِـنـدُ لِلعَاني الأَسيرِ

    ثانيهــا :

    قراءة الأبيات الشعرية بوصفها سطراً شعرياً واحداً بسبب التدوير، أي أنَّ القارئ لا يتوقف عند نهاية الصدر، وإنما يوصل العجز بالصدر، والأبيات هي :

    لا تَــسأَلي عَنْ جُــلِّ مَـالي وانـظُري حَسَبي وَخِيــري

    وَفَـوارسٍ كَـأَوارِ حَــــــرِّ النَّارِ أَحــلاسَ الذُّكُورِ

    وَعَلى الجِيـــادِ المُضمَرَاتِ فَـوَارسٌ مِثـلُ الصُّــقُـورِ

    يَخـرُجْنَ من خَـلَلَ الغُبــارِ يِجِـفْنَ بالنَّـعمِ الكَثـيرِ

    أَقــررتُ عَيـني من أُولــئك والفَـوَائِـحِ بالعَبــيرِ

    يَـرْفُـلنَّ في المِسكِ الذكـ ـي وصَـائـك كَـدَمِ النَّـحيرِ

    يَعْـكُفنَ مِثلَ أَســاوِدِ الـ ـتَّنُّومِ لم تُعْــكَفْ لـِــزُورِ

    ولَقَـدْ دَخَلـتُ على الفَتَــاةِ الخِـدرَ في اليَوم المَطَيرِ

    الكَـاعِبِ الحَســنَاءِ تَــرفُلُ في الدِّمقسِ وفي الحَريرِ

    فَـدَنَتْ وقـَالتْ يـَا مُـنَـــخَّلُ مَا بِجسمكَ من حَـــرُورِ

    مَـا شَـفَّ جِسْمي غَيـْـرُ حُـــبِّكِ فاهـدَئي عنـِّي وسِـيرِي

    يَـا رُبَّ يَـــــومٍ للمُـنــخَلِ قـد لَهَا فـيـهِ قَصـيرِ

    ولَـقَـدْ شَـرِبتُ مـن المُدَامـةِ بـالقَـليلِ وبالكَثيـرِ

    ثالثهــا :

    التقطيع والتوقف، أي أنَّ القارئ يتوقف بعد أول كلمة، ثم يواصل قراءة البيت الشعري كله، كما هو الحال في البيت التالي :

    وَفَـوارسٍ كَـأَوارِ حَــــــرِّ النَّارِ أَحــلاسَ الذُّكُورِ

    أو أنَّ القارئ يتوقف بعد كلمتين، ثم يواصل قراءة البيت الشعري كما هو الحال في البيتين التاليين :

    فإِذا انـتَـشَيْتُ فإِنـنـي رَبُّ الخَـوَرنَـقِ والـسَّـديـرِ

    وإِذا صَـحَــوتُ فإِنـنـي رَبُّ الشُّـويهـةِ والبَـعَـيـرِ

    رابعهـــا :

    التقطيع المتكرر في الشطر، ومن أمثلته التوقف بعد أول كلمة في الصدر والتوقف عند الكلمة الثانية في الصدر أيضا، ثم تتواصل قراءة البيت الشعري ومن أمثلة ذلك :

    وَاستَلأَمُـــوا وَتَلَبَّـبَـ إنَّ التَـلَبُبَ لِلمُـغِــــيرِ

    وقوله :

    فَـدَفَـعْـتُـهَا فَـتَدَافَـعَـتْ

    مَـشيَ القَـطَاةِ إلى الغَدَيْرِ

    ولِثمتـُـهَـا فَتَـنَـفَّـسَـتْ

    كَـتَـنَفُّسِ الظَّبـي البَهِــيرِ
    وقوله :

    وأُحـِبُّهـَـا وتَحِـبُّـنــي

    وَيُـحبَُ نَاقَـتَـهَا بَعَـيــري

    خامسها :

    التوازن الإيقاعي في الأبيات الشعرية، أي أنْ يكون هناك توازن في إيقاع وزن الكلمات المكونة للأبيات الشعرية، كما هو الحال في :

    فَـدَفَـعْـتُـهَا فَـتَدَافَـعَـتْ

    مَـشيَ القَـطَاةِ إلى الغَدَيْرِ

    ولِثمتـُـهَـا فَتَـنَـفَّـسَـتْ

    كَـتَـنَفُّسِ الظَّبـي البَهِــيرِ

    وكما هو الحال في :

    فإِذا انـتَـشَيْتُ فإِنـنـي

    رَبُّ الخَـوَرنَـقِ والـسَّـديـرِ

    وإِذا صَـحَــوتُ فإِنـنـي

    رَبُّ الشُّـويهـةِ والبَـعَـيـرِ
    سادسهـا :

    توالي الكسرات في الأبيات الشعرية، سواء أكانت الكسرة قصيرة أم طويلة، أي الياء، وإذا أخذنا بعين الاعتبار حركة الروي وإشباعه، لألفينا أنَّ القصيدة يتفشى فيها توالي الكسرات بشكل واضح، نضرب لذلك مثلاً :

    لا تَــسأَلي عَنْ جُــلِّ مَـالي وانـظُري حَسَبي وَخِيــري

    وإذا الـرَِياحَ تَكَمَّشَــــتْ بِجَــوَانِبِ البَيـتِ الكَسيرِ

    أَلفَيتِني هَــشَّ النَّــــدى بَشَـريجِ قِـدحِـي أَو شَجيـرِي

    وَفَـوارسٍ كَـأَوارِ حَــــــرِّ النَّارِ أَحــلاسَ الذُّكُورِ

    شَــدُّوا دَوَابِـرَ بيضِـــهِم في كُـلِّ مُحْــكَمَةِ القَتَــيرِ

    يَخـرُجْنَ من خَـلَلَ الغُبــارِ يِجِـفْنَ بالنَّـعمِ الكَثـيرِ

    أَقــررتُ عَيـني من أُولــئك والفَـوَائِـحِ بالعَبــيرِ

    يَـرْفُـلنَّ في المِسكِ الذكــي وصَـائـك كَـدَمِ النَّـحيرِ

    يَعْـكُفنَ مِثلَ أَســاوِدِ الــتَّنُّومِ لم تُعْــكَفْ لـِــزُورِ

    ولَقَـدْ دَخَلـتُ على الفَتَــاةِ الخِـدرَ في اليَوم المَطَيرِ

    الكَـاعِبِ الحَســنَاءِ تَــرفُلُ في الدِّمقسِ وفي الحَريرِ

    يَـا رُبَّ يَـــــومٍ للمُـنــخَلِ قـد لَهَا فـيـهِ قَصـيرِ

    فإِذا انـتَـشَيْتُ فإِنـنـيرَبُّ الخَـوَرنَـقِ والـسَّـديـرِ



    ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أنَّ للحركات دوراً إيقاعياً ودلالياً في الوقت نفسه، إذ إنَّ » للكسرة في شعر الخنساء أهمية كبرى ودوراً رئيسياً في الإيحاء بجو الحزن ومعنى الانكسار« [903] كما أنَّ الضمة هي الأخرى توحي بدلالات معينة، وقد أكثر الأعشى من استخدام الضمات في قوله :

    رُعبُوبةٌ فُنُقٌ خُمصانةٌ رَدَحٌ



    قد أُشربتْ مثلَ ماءِ الدرِ إشرابا
    وقوله :

    هِركُولةٌ فُنُقٌ دُرْمٌ مرافقُها

    كأنَّ أخمصَها بالشوكِ مُنتعلُ

    ليحكي » ضخامة تلك المرأة وازدحام أوراكها ومفاصلها باللحم « [906].

    سابعهـا :

    تكرار بعض الوحدات الصوتية، إذ يمثل الراء وحدة صوتية تكررت بشكل واضح في غير حرف الروي :

    إنْ كُنْـتِ عَـاذِلَتي فَسِـيري نَحْـوَ العِـرَاقِ ولا تَحُــورِي

    لا تَــسأَلي عَنْ جُــلِّ مَـالي وانـظُري حَسَبي وَخِيــري

    وإذا الـرَِياحَ تَكَمَّشَــــتْ بِجَــوَانِبِ البَيـتِ الكَسيرِ

    أَلفَيتِني هَــشَّ النَّــــدىبَشَـريجِ قِـدحِـي أَو شَجيـرِي

    وَفَـوارسٍ كَـأَوارِ حَــــــرِّ النَّارِ أَحــلاسَ الذُّكُورِ

    شَــدُّوا دَوَابِـرَ بيضِـــهِم في كُـلِّ مُحْــكَمَةِ القَتَــيرِ

    وَاستَلأَمُـــوا وَتَلَبَّـبَـوا إنَّ التَـلَبُبَ لِلمُـغِــــيرِ

    وَعَلى الجِيـــادِ المُضمَرَاتِ فَـوَارسٌ مِثـلُ الصُّــقُـورِ

    يَخـرُجْنَ من خَـلَلَ الغُبــارِ يِجِـفْنَ بالنَّـعمِ الكَثـيرِ

    أَقــررتُ عَيـني من أُولــئك والفَـوَائِـحِ بالعَبــيرِ

    يَـرْفُـلنَّ في المِسكِ الذكــي وصَـائـك كَـدَمِ النَّـحيرِ

    يَعْـكُفنَ مِثلَ أَســاوِدِ الــتَّنُّومِ لم تُعْــكَفْ لـِــزُورِ

    ولَقَـدْ دَخَلـتُ على الفَتَــاةِ الخِـدرَ في اليَوم المَطَيرِ

    الكَـاعِبِ الحَســنَاءِ تَــرفُلُ في الدِّمقسِ وفي الحَريرِ

    فَـدَفَـعْـتُـهَا فَـتَدَافَـعَـتْ مَـشيَ القَـطَاةِ إلى الغَدَيْرِ

    ولِثمتـُـهَـا فَتَـنَـفَّـسَـتْ كَـتَـنَفُّسِ الظَّبـي البَهِــيرِ

    فَـدَنَتْ وقـَالتْ يـَا مُـنَـ ـخَّلُ مَا بِجسمكَ من حَـــرُورِ

    مَـا شَـفَّ جِسْمي غَيـْـرُ حُـــبِّكِ فاهـدَئي عنـِّي وسِـيرِي

    وأُحـِبُّهـَـا وتَحِـبُّـنــي وَيُـحبَُ نَاقَـتَـهَا بَعَـيــري

    يَـا رُبَّ يَـــــومٍ للمُـنــخَلِ قـد لَهَا فـيـهِ قَصـيرِ

    فإِذا انـتَـشَيْتُ فإِنـنـي رَبُّ الخَـوَرنَـقِ والـسَّـديـرِ

    وإِذا صَـحَــوتُ فإِنـنـي رَبُّ الشُّـويهـةِ والبَـعَـيـرِ

    ولَـقَـدْ شَـرِبتُ مـن المُدَامـةِ بـالقَـليلِ وبالكَثيـرِ

    يـَا هِـنْــدُ مَنْ لِمُـتَيـَّـمٍ يَـا هِـنـدُ لِلعَاني الأَسيرِ



    يتبع
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 116
    تاريخ التسجيل : 09/01/2010

    الإيقــــاع Empty رد: الإيقــــاع

    مُساهمة  Admin الأربعاء يناير 13, 2010 11:50 am








    ( 4 )

    أما الأعشى فقد وصف بأنه صناجة العرب قديماً، وقد تنبه الدارسون المعاصرون إلى خصائص إيقاعية تميز بها، ويشير إبراهيم عبد الرحمن في أثناء دراسته لموسيقى الشعر عند الأعشى إلى ما يتسم به من خصائص، إذ يتفق الأعشى مع شعراء الجاهلية في التكرار والتقطيع الصوتي، بوصفهما ظاهرتين بارزتين في الشعر الجاهلي، وهما شائعتان في شعر الأعشى، ويتميز الأعشى على شعراء الجاهلية في ظاهرتين :وهما » إيثاره للقوافي المطلقة . . . وفتنته بأصوات اللين التي ينثرها في أبيات قصيدته نثرا ، واستشهد إبراهيم عبد الرحمن بأنماط متعددة من حروف المد وما تتركه من أثر في الامتداد والبطء الموسيقيين، وأخذ يوازن بين قصيدتين للأعشى، وكلاهما من بحر البسيط، مبينا الفوارق النفسية والإيقاعية المختلفة لاختلاف الموقفين ففي قصيدته :

    وَدّعْ هُريرةَ إنَّ الركبَ مُرتحلُ

    وهل تُطيقُ وداعاً ايها الرجلُ


    يتجلى» موقف المقبل إلى الحياة، الذي يفتخر على صاحبته بكثرة من عرفهن من نساء أخريات، واصفاً مغامراته العاطفية معهن وكيف كان يخاتل الرجل عن زوجته أما قصيدته :

    نَامَ الخَليُّ وَبَتُّ اللَّيلَ مُرْتَفِقا

    أَرعَى النُجُومَ عَمِيداً مُثْبتاً أَرِقا


    فيتجلى » موقف اليائس من الحياة وهو لا يكتفي لتأكيد إقباله على الحياة وحرصه على متعها بقص مغامراته، وإنما يصف ولعه بشرب الخمر ويلح في وصف مجلس من مجالسها التي كان يكثر من الذهاب إليها هو وأصحابه، وكأنه بذلك يتخذ من هذين الأمرين : شرب الخمر وإغواء النساء رمزاً يصور من خلاله إقباله على الحياة . وقد حرص الشاعر على الملاءمة بين هذا الصخب والضجيج والبحث الدائب عن المتعة أو الجري وراءها، تلك التي كان لا يريد أن يفوته شيء منها، وبين موسيقى قصيدته، فعلى الرغم من أنَّ الأعشى أخذ ينثر فيها أصوات المد نثراً، فقد استطاع تقصير هذه الأصوات الطويلة والملاءمة بينها وبين الجو النفسي الذي أخذ يذيعه في القصيدة جميعا جو اللهفة والمتعة

    ومن أجل استكمال أفضل للعمل الذي قام به الدكتور إبراهيم عبد الرحمن حاولت إجراء إحصاء لديوان الأعشى على مستويات عديدة، وحصر النسب المئوية لذلك، فلقد نظم الأعشى قصائده على أغلب البحور الشعرية غير أنَّ البحور الشعرية التالية : الطويل » 27 % « والمتقارب »20 % « والكامل تاماً ومجزوءاً » 19 % « والبسيط » 13 % « قد أخذت النصيب الأوفر، وإن نسبة البحور المجزوءة قد بلغت
    » 10%« أما الروي فلقد نظم على أغلب الحروف، ولكن الحروف الخمسة التالية نالت نصيباً كبيراً وهي : » اللام19 % « والراء » 16 % « والميم »13 % « والدال »18 % « والباء » 11% « .

    وقد اعتمد الأعشى اعتماداً كبيراً على القوافي المطلقة، إذ بلغت نسبتها »86 % « من مجموع الأبيات الشعرية، والقافية المطلقة »هي ما كانت متحركة الروي ... وكذلك من القافية المطلقة ما وصلت بهاء الوصل سواء أكانت بلا خروج، أم كانت متحركة أي ذات خروج والقافية المطلقة تساعد على إضفاء إيقاع موسيقي للقصيدة إذ تمثل نهاية موجة إيقاعية، ثم يبدأ بعدها البيت الشعري بمرتكز جديد أو موجة جديدة تنتهي عندها القافية المطلقة .

    وقد شاع الوصل في قصائد الأعشى، والوصل » نوعان : أ ـ حرف مد يتولد عن إشباع حركة الروي فيكون ألفاً أو واواً أو ياء . ب ـ هاء ساكنة أو محركة تلي حرف الروي . فلقد بلغت نسبة الوصل بأحرف اللين »28 % « ومن أمثلته قوله :

    بَانَتْ سُعادُ وأَمسَى حَبْلُها رَابَا

    وأَحدَثَ النَّأَيُ لي شَوقَاً وأَوْصَابا

    وقوله :

    يَومَ قَفَّتْ حُمُولُهُم فَتَوَلَّوا

    قَطَّعُوا مَعْهدَ الخَليطِ فَشَاقُوا

    وبلغت نسبة الوصل بالهاء »20 %« ومنه قوله :

    أَصَرَمْتَ حَبلَكَ من لَمَيـ سَ اليومَ أَمْ طَالَ اجتِبَابُهْ



    وقوله :

    يَا جَارَتي ما كُنتِ جَارَهْ

    بَانتْ لِتَحزُنَنَا عَفَارَهْ


    أما الابيات المردفة بالألف والواو والياء فقد بلغت » 48 % «، والردف »حرف مد يكون قبل حرف الروي سواء أكان هذا الروي ساكنا أم متحركا«[918] ومنه قوله :

    مِن دِيارٍ بالهَضْبِ هَضْبِ القَلَيبِ

    فَاضَ مَاءُ الشؤونِ فَيضَ الغُرُوبِ


    وقوله :

    أَلا يَا » قَتْلُ « قَدْ خَلُقَ الجَديدُ

    وَحُبُّكِ مَا يَمُحُّ ومَا يَبيدُ


    أما القصائد التي اشتملت على التأسيس وهو حرف مد بينه وبين حرف الروي حرف صحيح فقد بلغت نسبتها » 8% « ومنها قوله :

    يَا جَارَتي بِيني فإِنكِ طَالِقَهْ

    كذاك أُمُورُ النَاسِ غَادٍ وطَارِقَهْ

    وقوله :

    أَلا قُلْ لِتَيَّاكَ مَا بَالُهَا

    أَلِلْبَينِ تُحْدَجُ أَحمَالُهَا

    وقد اجتمعت بعض الخصائص التي مثلت إيقاعاً متميزاً عند الأعشى، كأن يجتمع في القافية الوصل بالألف والردف بالألف، وكانت نسبته»8% « ومنه قوله :

    أَيَا سَيِّدَيْ نَجْرَانَ لا أُوصِينْكُما

    بِنَجرانَ فيما نَابَهَا واعْتَرَاكُمَا


    وقوله :

    عَرَفْتَ اليَوْمَ من تَيَّا مُقَامَا

    بِجَوٍّ أَو عَرَفْتَ لَهَا خِيَامَا


    وقوله :

    أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي حُرَيثاً

    مُغَلْغَلةً أَحانَ أَم ازدرَانَا

    أو يجتمع الوصل بالهاء المشبعة بحرف مد، الألف، وهو ناتج عن إشباع حركة الهاء، ويسمى خروجا، وتكون القافية مردفة بالألف، وكانت نسبة الأبيات » 13 % « ومنه قوله :

    أَلَمْ تَنهَ نَفسَكَ عَمَّا بِهَا ؟

    بَلَى عَادَهَا بَعضُ أطرَابِهَا


    وقوله :

    أَجَدَّ »بَتَيّا« هَجْرُها وشَتَاتُها

    وَحَبَّ بِهَا لو تُسْتَطاعُ طِياتُها


    وقوله :

    لِمَيثاءَ دَارٌ عَفَا رَسْمُها

    فَمَا إنْ تَبَيَّنُ أَسْطَارُهَا


    أو يجتمع الوصل بالهاء والردف، مثل قوله :

    يَا جَارَتي ما كُنتِ جَارَهْ

    بَانتْ لِتَحزُنَنَا عَفَارَهْ

    وقوله :

    أَصَرَمْتَ حَبلَكَ من لَمَيـ

    سَ اليومَ أَمْ طَالَ اجتِبَابُهْ

    أو يجتمع الوصل بالهاء المشبعة بالألف ومردفة بالواو والياء، ومنه قوله:

    أَلاَ حَيّ مَيّاً إذْ أَجَدَّ بُكورُها

    وَعَرِّضْ بِقولٍ : هَلْ يُفَادَى أَسيرُهَا


    وقوله :

    لِمَيْثَاءَ دَارٌ قَدْ تَعَفَّتْ طُلولُها

    عَفَتْها نَضِيضَاتُ الصَّبا فَمَسيلُها


    إن هذا العمل الإحصائي قد ركز العناية على القوافي، وتجلى من خلال الرصد أنَّ الأعشى قد أكثر من القوافي المطلقة التي تحدث بطبيعتها إيقاعاً موسيقياً خاصاً، كما أنَّ إكثار الشاعر من حروف المد في القصائد كلها وتركزها في القافية له ما يبرره لإثبات أنَّ الأعشى كان يعنى بموسيقاه عناية خاصة .

    إن القوافي عند الأعشى تفيض بحرف أو أكثر من حروف المد مثل » أوصابا وجنابها، الغروب، أشيبا، القلوب، واجتبابه، وأطرابها، وذهبوا، وطياته، وبناتي ورياح، والصباح، ورقادها، والمسهدا، وموعدا، و وزاد، وتمجيدي، وقاصدا، وما يبيد، والعبيد، والنذورا، وتزارا، وأسطارها، وأسيرها، والنهار، وحذار، وخبير وعفاره، وعامر، وأظفاري، وتعيير، وحاجر، والخسار، ومجازا، واستفيضا، وخائصا والخلاط، ويعاطي، وفالفرعا، ومألوف، ووقفوا، وفأبلقا، وأرقا، وطارقه، وفشاقوا، وكذلكا، واتراكما، والجبال، وعول، وسؤالي، وبدالها، وأحمالها، وفزاحل، ووائل ومهلا، وخواذل، وفسيلها، وفوقها لها، وفتصرما، وخياما، والتأما، وواجم، ومتيم وعلى ما، وازدانا « .

    وهذا يدل على شدة العناية بحروف المد وهي تؤثر تأثيراً بالغاً في الإيقاع الموسيقي .

    وحين تجتمع هذه الخصال الموسيقية مع بحرين شعريين هما مجزوء الكامل والمتقارب، فإن الإيقاع يصل إلى ذروته عند الأعشى، يقول :

    أَوَصَلْتَ صُـرْمَ الحَبلِ من سَلمَى لِطُولِ جِنَابِهَا

    وَرَجِعْتَ بَعدَ الشَّيبِ تَبــغِي وُدَّهَا بِطِلابِها

    أَقْـصِـرْ فإِنَّكَ طَالَــمَا أُوضِعتَ في إِعجَابِهَا

    إِنَّ القُرَى يوماً سَتَه ـلَكُ قَبلَ حَقِّ عَذابِهَا

    وَتَصيـرُ بَعْـدَ عِمَــارَةٍ يَومَاً لأَمْرِ خَرابَها

    وقوله :

    يَا جَارَتي ما كَنتِ جَارَهْ

    بَانَتْ لِتَحْزُنَنَا عَفَــــارَهْ

    تُــرْضِيــكَ من دَلٍّ ومـن

    حُسْـنِ، مُخَالِطُهُ غَـــــرَارهْ

    بَيضَاءُ ضَحــوَتُها وِصَفْــ ـراءُ العَشِيَّةِ كالعَــرَارَهْ

    وَسَـبَـتْكَ حِيـنَ تَبَسَّـمَتْ

    بَيْنَ الأَرِيكَةِ والسِّتـــارِهْ

    بِقَوَامِها الحَسَنِ الــذي

    جَمَعَ المَدَادَةَ والجَهَــارَهْ

    وقوله :

    أَلَمْ تَنْهَ نَفْسَكَ عَمَّا بِهَا

    بَلَى عَادَهَا بَعْضُ أَطْرِابِها

    لِجَارَتنا إذْ رَأْتْ لِمَّتِـي

    تَقُولُ لَكَ الوَيلُ أَنَّى بِهَا

    فإِنْ تَعْهَديـني وِلِي لِمَّةٌ

    فإِن الحَوادثَ أَلوَى بِـهَا

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 12:15 pm